ظاهر في استحباب السفر لمجرد الزيارة، فيقال: هذا الظهور إنما كان لما فهم المستمع من زيارة قبره ما يفهم من زيارة سائر القبور، وأطلق هذا كان ذلك متضمنًا لاستحباب السفر لمجرد القبر، فإن الحُجاج وغيرهم لا يمكنهم زيارة قبره إلا بالسفر إليه، لكن قد علم أن الزيارة المعهودة من القبور ممتنعة في قبره فليست من العمل المقدور ولا المأمور فامتنع أن يكون أحد من العلماء يقصد بزيارة قبره هذه الزيارة وإنما أرادوا السفر إلى مسجده والصلاة والسلام عليه والثناء عليه هناك لكن سموا هذا زيارة لقبره كما اعتادوه ولو سلكوا مسلك التحقيق الذي سلكه الصحابة - رضي الله عنهم - ومن اتبعهم لم يسموا هذا زيارة لقبره، وإنما هو زيارة لمسجده وصلاة وسلام عليه ودعاء له وثناء عليه في مسجده سواء أكان القبر هناك أم لم يكن.
رابعًا: فهم الصحابة للمنع من شد الرحل للزيارة:
قال شيخ الإسلام: إن أبا هريرة لما سافر إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى بن عمران - عليه السلام -، فقال له بصرة بن أبي بصرة الغفاري: لو أدركتك قبل أن تخرج لما خرجت، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:«لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، ومسجد بيت المقدس».
وقال الشيخ في مكان آخر: فالطوائف متفقة على أنه ليس مستحبًا، وما علمت أحدًا من أئمة المسلمين قال إن السفر إليها مستحب، وإن كان قاله بعض الأتباع فهو ممكن، وأما الأئمة المجتهدون فما منهم من قال هذا وإذا قيل هذا كان قولًا ثالثًا في المسألة وحينئذٍ يبين لصاحبه أن هذا القول خطأ مخالف للسنة ولإجماع الصحابة، فإن الصحابة في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبعدهم إلى انقراض عصرهم لم يسافر أحد منهم إلى قبر نبي ولا رجل صالح وقبل الخليل - عليه السلام - بالشام لم يسافر إليه أحد من الصحابة، كانوا يأتون بيت