وقال - رحمه الله - (٢٤/ ٨٤): فقول ابن عباس: جمع من غير كذا ولا كذا، ليس نفيًا منه للجمع بتلك الأسباب؛ بل إثبات منه لإنه جمع بدونها، وإن كان قد جمع بها أيضًا، ولو لم ينقل أنه جمع بها فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى فيدل ذلك على الجمع للخوف والمطر وقد جمع بعرفة ومزدلفة من غير خوف ولا مطر.
وقال أيضًا (٢٤/ ٧٦): ومما يبين أن ابن عباس لم يرد الجمع للمطر - وإن كان الجمع للمطر أولى بالجواز - ما رواه مسلم من حديث حماد بن زيد عن الزبير بن الخريت عن عبد الله بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يومًا بعد العصر حتى غربت الشمس، وبدت النجوم، فجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة، فجاء رجل من بني تميم لا يفتر الصلاة الصلاة، فقال: أتعلمني السنة أمَّ لك؟ ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته، ورواه مسلم من حديث عمران بن حُدير عن ابن شقيق قال: قال رجل لابن عباس: الصلاة، فسكت. ثم قال: الصلاة فسكت، ثم قال: لا أمَّ لك أتعلمنا الصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟!.
فهذا ابن عباس لم يكن في سفر ولا في مطر، وقد استدل بما رواه على ما فعله، فعلم أن الجمع الذي رواه لم يكن في مطر، ولكن كان ابن عباس في أمر مهم من أمور المسلمين يخطبهم فيما يحتاجون إلى معرفته ورأى أنه إن قطعه ونزل فاتت المصلحة، فكان ذلك عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بالمدينة لغير خوف ولا مطر، بل للحاجة تعرض كما قال:«أراد ألا يحرج أمته»، ومعلوم أن جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة ومزدلفة لم يكن لخوف ولا مطر