لقد استنزفتْ تلك المعاركُ المفتعلةُ من طاقات أهل الدين ما اللهُ به عليم، وكم فتنتْ هذه المصاولاتُ من العامَّة، وزَهَّدَتْهم في الدعوةِ وصدَّتْهُمْ عن السبيل!!
ورحم الله الشاطبي حيث قال:"وكل مسألة حدثت في الدين فأوجبت الفرقة بين المسلمين فليست من مسائل الشريعة"(١).
فلا بد -إذن- من التفريق بين مقام الدعوة إلى الأخذ بالعزائم، والاحتياط في الأحكام، والثبات على دين الله، وأخذه بقوة، وبين مقام التفريق بين المحكم والمتشابه من النصوص، والقطعي والظني من الأحكام.
والخلافُ على المسائلِ الاجتهادية لا سبيلَ إلى الاجتهادية لا سبيلَ إلى رفعِهِ، ولا طريق إلى حسمهِ، ولا تأثيمَ على المخالف مجهدًا كان أو مقلِّدًا, وقد يجوزُ العمل بالمرجوحِ، أو المفضولِ؟ لاعتباراتٍ شرعيةٍ، ولا إنكارَ فيه إلا ببيان الحق بدليلهِ وتعليلهِ، مع وجوبِ احتمالِهِ، وأن يسعَ المتأخرين ما وسع المتقدمين، ولا بدَّ من التأدبِ عمليًّا بآدابِهِ.