فالخطاب السلفي قد يَضِيقُ -أحيانًا- بالحريات الفردية والجماعية، ويعمل على تضييقها، أو مصادرتها بالكلية، ولو تأملوا لرأوا الإِسلامَ يزدهر حيث تزدهر الحرية، وتتقلص الدعوة في ظل الاستبداد واستشراءِ الفساد، ولقد كانت مواقفُ كثيرين من مسائلَ معاصرةٍ جنحت إلى التشديد أو المنع، مع ما فيها من المصالح التي تربو على مفاسدها عند التأمل المنصف!
كما يجنحُ بعضُ السلفيين إلى تنزيل المستحب منزلةَ الواجب، وفي هذا توسُّعٌ في إيجاب الواجبات، وقد يصحبه تضييقٌ في إباحة المباحات، أو توسيع لدائرة المحرمات، وربَّما ترافق مع هذا غلوٌّ في الاختيارات الفقهية الفروعية الاجتهادية، فنُزِّلَتْ منزلةَ الثوابت والقطعيات، وتحوَّلَتْ الاجتهاداتُ إلى مناهجَ تُنسب إلى السلف والسلفية معًا!! وربما صار الخطابُ الخاصُّ أو الداخليُّ هو الرؤيةَ التي يُطْرَحُ من خلالها الدِّينُ بأَسْرِهِ، ويُدْعَى إليها الخلق بجملتهم، إن طريق السلف وطريقتهم منقولة بالتواتر حينًا وبالإجماع حينًا آخر، أما ما وقع فيه الاختلاف بينهم سائغًا ومبرَّرًا فلا مجال عندئذٍ إلى أخذِ اختيارٍ أو رأيٍ وتحويلِهِ إلى منهجٍ! فلا يوجد ما يدعو -إذنْ- للمصادر على بعض أقوالِهِم، أو احتكارِهَا، أو إطلاقِهَا شعارًا للمنهج السلفي.