ومن التشديد في الدعوة: محاولةُ إلزام الناس بالمثال، وطلب الكمال، والإنكار البالغ عند ترك نافلةٍ، أو ارتكاب ما لا يحرم، ومن التشدد التعصبُ للرأي أو المذهب، أو الجماعة أو الحزب، ومحاولة صَكِّ الناس في قالب واحد، أو صَبِّهم في منحًى عمليٍّ محدد.
ثم تأتي دعاوَى عريضةٌ، ربما صدرت بها كتبٌ جماهيرية في حسمِ الخلافات الفقهية، أو اتِّباعِ الأدلة المُرْضية، وهي صادرة عن شخصيات سلفية، فإذا بها تَنْحَى منحَىَ الإعناتِ بدءًا من عنوانها، وانتهاءً بمضمونها!
وقد يرتدي التشديد ثوبًا عقديًّا؛ فيُبدَّعُ من الأقوال أو الأفعال ما ليس ببدعة أصلاً، وقد يرتدي ثوبًا أصوليًّا؛ فَيُتَّخَذُ من سدِّ الذرائع منهجًا في الفتيا الحاظرة، ويُهْمَلُ فتحُ الذرائعِ! أو يُغَلَّبُ جانبُ الأخذِ بالأعنتِ؛ ظنًّا أنه الأحوط! وقد يرتدي ثوبًا فقهيًّا، وآخَرَ دعويًّا ... وهكذا.
ولعل التشديدَ هو الاجتهادُ الأسهلُ، وليس الأفضلَ؛ إذ التشديد يُحْسِنُهُ كلُّ أحد! وإنما العلم الرخصة من ثقة، كما قال سفيان الثوري رحمه الله (١).
(١) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، (١/ ٧٨٤)، رقم، (١٤٦٧).