بعد التسليمِ بأن التيارَ السلفيَّ تيارٌ علميٌ يُعْنَى بنشرِ العلمِ الشرعيِّ ومحاربةِ الجهلِ، والانحرافِ الفكريِّ، ويجاهدُ في ميدانِ نشرِ السنةِ، وقمعِ البدعةِ ومحاربةِ الخرافةِ، ومقاومةِ تياراتِ الغزوِ الفكريِّ، وقد حقَّقَ في ذلك إنجازاتٍ مشهودةً ومشاركاتٍ مشكورةً، إلاَّ أن هناك مأخذًا معتبرًا وملحظًا يُخْشَى أن يكون له ضررٌ، ألا وهو: افتقاد العلم التأصيلي، أو الفهم الأصولي، الذي يمكن في ضوئه الاهتداءُ إلى الموقف الشرعي في النوازل المستجدة.
لقد وُصفت بعض المحاضن العلمية السلفية من خلال أسلوب المعلِّمين التلقينيِّ بأنها إنما تخرِّج من يحمل شهادة هو الأمية الدينية، وليس طلبة علم بالمعنى الصحيح، فإن مُجَرَّدَ حفظِ الأحكامِ في الظروفِ العاديةِ لا يُخَرِّجُ فقيهًا قادرًا على الاستنباط في الظروف الاستثنائية عامةً، وفي مسائلِ السياسةِ الشرعيةِ المعاصرةِ خاصةً.
فلا بدَّ من مناهجَ ومسالكَ تُعْنَى ببناءِ الملكةِ الأصوليةِ التي تهيئُ للتعاملِ مع المسائلِ المستحدثةِ، واستنباطِ أحكامِهَا الشرعيةِ المعاصِرَةِ.