قِلَالَ هَجَرَ وَأَظُنُّ كُلَّ قُلَّةٍ تَأْخُذُ قِرْبَتَيْنِ. وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ، فَإِنَّ الثَّانِيَ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ ظَنٍّ، وَهَذَا التَّحْدِيدُ تَقْرِيبٌ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَقِيلَ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَلَوْ نَقَصَ الْمَاءُ نَقْصًا يَسِيرًا لَمْ يُؤَثِّرْ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْقِلَالِ بِالْقِرَبِ إِنَّمَا كَانَ عَنْ رَأْيٍ وَحِسَابٍ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ، وَتَقْدِيرُ الْقِرَبِ بِالْأَرْطَالِ تَقْرِيبٌ فَإِنَّ الْقِرَبَ وَغَيْرَهَا مِنْ أَوْعِيَةِ الْمَاءِ لَا تَكَادُ تَتَسَاوَى عَلَى التَّحْقِيقِ إِذْ لَا يُقْصَدُ كَيْلُ الْمَاءِ وَوَزْنُهُ غَالِبًا فِي تَطْهِيرِ الْمَاءِ، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ فَإِنَّمَا يَنْجُسُ بِالتَّغَيُّرِ، فَإِذَا زَالَ التَّغَيُّرُ طَهُرَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا ثَبَتَ بِعِلَّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا، كَالْخَمْرِ إِذَا زَالَتْ عَنْهُ الشِّدَّةُ الْمُسْكِرَةُ صَارَ حَلَالًا طَاهِرًا أَوْ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ إِذَا غُسِلَ طَهُرَ، وَذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا أَنْ يَزُولَ بِنَفْسِهِ فَيَطْهُرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ بِحَالِهَا لَمْ تُزَلْ وَلَمْ تُسْتَهْلَكْ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا تُسْتَهْلَكُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ عَلَيْهَا، الثَّانِي: أَنْ يُنْزَحَ الْمَاءُ وَيَزُولَ تَغَيُّرُهُ وَهُوَ قُلَّتَانِ فَصَاعِدًا لِأَنَّ بِالنَّزْحِ زَالَتِ النَّجَاسَةُ فَإِنْ لَمْ يَزُلْ تَغَيُّرُهُ حَتَّى نَقَصَ عَنِ الْقُلَّتَيْنِ كَانَ حِينَئِذٍ نَجِسًا بِالْمُلَاقَاةِ فَلَا يَطْهُرُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ قُلَّتَا مَاءٍ طَهُورٍ جُمْلَةً أَوْ مُتَتَابِعًا بِحَسَبِ الْعَادَةِ بِصَبٍّ أَوْ إِجْرَاءٍ مِنْ عَيْنٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ نَبْعٍ وَيَزُولُ تَغَيُّرُهُ فَيَطْهُرُ سَوَاءٌ اخْتَلَطَ الْمَاءَانِ أَوْ لَمْ يَخْتَلِطَا بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا صَافِيًا وَالْآخَرُ كِدَرًا لِأَنَّهُمَا قُلَّتَانِ أُضِيفَتَا إِلَى مَائِعٍ نَجِسٍ وَلَمْ يُغَيِّرْهُمَا كَانَ الْجَمِيعُ طَاهِرًا كَمَا لَوْ أُضِيفَتَا إِلَى خَمْرٍ أَوْ دَمٍ، وَأَمَّا الْمَاءُ الْقَلِيلُ فَسَوَاءٌ كَانَ مُتَغَيِّرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَا يَطْهُرُ حَتَّى يُضَمَّ إِلَيْهِ قُلَّتَا مَاءٍ طَهُورٍ وَيَزُولَ تَغَيُّرُهُ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ تَكُونُ بِمُلَاقَاةِ الْقَلِيلِ لِلنَّجَاسَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute