لَتَرَكَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلْجَنَابَةِ غَالِبًا، فَأُقِيمَ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ، كَالنَّوْمِ مَعَ الْحَدَثِ، وَالْوَطْءِ مَعَ الْإِنْزَالِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: " قَلَّ مَا يَكُونُ الْإِغْمَاءُ إِلَّا أَمْنَى " وَقَالَ: " قَلَّ أَنْ يُصْرَعَ إِلَّا احْتَلَمَ " بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الِاحْتِلَامُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَمَعَ هَذَا كَانَ يَغْتَسِلُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِغْمَاءَ سَبَبٌ لِلْغُسْلِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ مَظِنَّةَ الْإِنْزَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَحْفُوظًا فِي مَنَامِهِ مِنَ الْحَدَثِ كَانَ يَنَامُ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ، فَإِذَا وَجَبَ الْوُضُوءُ عَلَى الْأُمَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ، فَوُجُوبُ الِاغْتِسَالِ الَّذِي فَعَلَهُ أَوْلَى.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ زَوَالُ عَقْلٍ، فَلَمْ يُوجِبِ الِاغْتِسَالَ كَالنَّوْمِ، وَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ هُنَا أَمْكَنَ اعْتِبَارُهَا، فَإِنَّ الْمَنِيَّ يَبْقَى فِي ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ، بِخِلَافِ الْحَدَثِ فِي النَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ وَجَدَ وَلَمْ يَتَيَقَّنْهُ مَنِيًّا فَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْغُسْلُ أَيْضًا، بِخِلَافِ النَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَرَضِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ، وَقِيلَ: يَجِبُ كَالنَّوْمِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْرَعُ لَهُ الِاغْتِسَالُ بِكُلِّ حَالٍ بِخِلَافِ النَّائِمِ، فَوُجُوبُ الِاغْتِسَالِ عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَى النَّائِمِ أَوْلَى؛ وَلِهَذَا لَوْ رَأَى الْمَرِيضُ غَيْرُ الْمَبْرُودِ بَلَلًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَنِيٌّ بِخِلَافِ صَاحِبِ الْإِبْرِدَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ الْوَاجِبُ فِيِ الغسل النِّيَّةُ وتعميم البدن مع المضمضة والاستنشاق]
مَسْأَلَةٌ
" وَالْوَاجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ، وَتَعْمِيمُ بَدَنِهِ بِالْغُسْلِ، مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ "
أَمَّا النِّيَّةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُ وُجُوبِهَا، وَالنِّيَّةُ الْمُجْزِئَةُ أَنْ يَقْصِدَ رَفْعَ حَدَثِ النَّجَاسَةِ وَالِاغْتِسَالِ لِمَا يُشْتَرَطُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا فِي الْوُضُوءِ، فَإِنْ تَوَضَّأَ أَوِ اغْتَسَلَ بِنِيَّةِ طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ مِثْلَ أَنْ يَنْوِيَ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ، أَوِ الْوُضُوءَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ لِذِكْرِ اللَّهِ، أَوْ لِلنَّوْمِ، أَوْ لِلْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ يَغْتَسِلَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، وَنَحْوِهَا مِنْ أَغْسَالِ الصَّلَوَاتِ وَالْمَنَاسِكِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute