الصَّحَابَةِ هُنَا، وَفِي مَسْأَلَةِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهِ لَنُقِلَ نَقْلًا عَامًّا وَلَمْ يَخْفَ عَلَى أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، مَعَ أَنَّ عَائِشَةَ هِيَ مِمَّنْ يَرْوِي الِاغْتِسَالَ مِنْهُ وَتُفْتِي بِعَدَمِ وُجُوبِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الْمُتَقَدِّمِ هُوَ اسْتِحْبَابٌ. لَا سِيَّمَا وَالرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ أَمَرَهُ لِمُوَارَاتِهِ دُونَ تَغْسِيلِهِ، وَتَعْلِيلُهُمْ بِعَدَمِ النَّجَاسَةِ يُفِيدُ غَسْلَ مَا يُصِيبُ الْغَاسِلَ مِنْهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا دُونَ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ، وَأَمَّا الِاغْتِسَالُ مِنَ الْحِجَامَةِ فَمُسْتَحَبٌّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِفِعْلِ عَلِيٍّ. وَفِي الْأُخْرَى لَا يُسْتَحَبُّ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِيهِ، كَالرُّعَافِ وَالْفِصَادِ، وَحَدِيثُهُ مُضَعَّفٌ.
وَأَمَّا اغْتِسَالُ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا فَاقَا، فَإِنْ رَأَيَا مَنِيًّا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الِاغْتِسَالُ، وَإِنْ لَمْ يَرَيَا بَلَلًا أَصْلًا فَفِي وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ. قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَذَكَرَتْ إِرْسَالَهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِي أَفْعَالِهِ الْوُجُوبُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، يُؤَكِّدُ ذَلِكَ فِي الِاغْتِسَالِ أَنَّهُ أَفْتَى السَّائِلَ عَنِ الِاغْتِسَالِ مِنِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ بِأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَيَغْتَسِلَ مِنْهُ، وَأَفْتَى عَامَّةُ الصَّحَابَةِ بِقَوْلِهَا: " «فَعَلْتُ ذَلِكَ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاغْتَسَلْنَا» " لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ مَعَ مَشَقَّتِهِ عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute