الْأَكْثَرِ رِوَايَتَانِ أَيْضًا كَذَلِكَ، لَكِنَّ رِوَايَةَ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ هُنَا مُرَجَّحَةٌ لِأَنَّ عَوْدَ الدَّمِ فِي زَمَانِ الْعَادَةِ كَثِيرٌ بِخِلَافِ بُلُوغِ الْحَيْضِ أَكْثَرَ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ قَلِيلٌ، وَبِخِلَافِ النِّفَاسِ فَإِنَّ أَغْلَبَهُ أَكْثَرُهُ وَالْعَادَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِعَدَمِ انْتِظَامِهَا.
[مَسْأَلَةٌ إِنْ عَادَ فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِفَاسٌ]
مَسْأَلَةٌ
" فَإِنْ عَادَ فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِفَاسٌ أَيْضًا "
هَذَا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ فَكَانَ نِفَاسًا كَالْأَوَّلِ وَكَمَا لَوِ اتَّصَلَ، وَعَلَى هَذَا سَوَاءٌ حَصَلَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي طُهْرٌ كَامِلٌ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّانِي قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُ مَضْمُومٌ إِلَى الْأَوَّلِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ عَلَيْهَا إِعَادَةُ مَا صَامَتْهُ وَطَافَتْهُ مِنَ الْفَرْضِ فِي الطُّهْرِ بَيْنَ الْمُدَّتَيْنِ، هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الطُّهْرَ فِي أَثْنَاءِ النِّفَاسِ لَيْسَ بِطُهْرٍ صَحِيحٍ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ، وَعَلَيْهِ تُبْنَى أَحْكَامُ الْمُلَفَّقَةِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ اخْتَارَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذَا الدَّمَ دَمُ شَكٍّ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَارَضَ فِيهِ أَمَارَةُ النِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَوْجُودًا فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ يُوجِبُ كَوْنَهُ نِفَاسًا، وَكَوْنَهُ بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٍ يُبْقِي ذَلِكَ، كَمَا لَوْ رَأَتْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ مَعَ الْوِلَادَةِ الَّتِي لَا دَمَ مَعَهَا، فَأَنَّهُ لَا يَكُونُ نِفَاسًا بَلْ إِمَّا حَيْضٌ إِنْ قَامَ دَلِيلُهُ وَإِلَّا اسْتِحَاضَةٌ، فَكَذَلِكَ احْتِيطَ فِيهِ لِلْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ وَقَضَاءِ الصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَالْإِمْسَاكِ عَنِ الْوَطْءِ، فَأَمَّا إِنْ بَلَغَ الثَّانِي أَقَلَّ الْحَيْضِ وَصَارَتْ مُدَّةَ الْحَيْضِ، فَهَذَا لَا يَكُونُ اسْتِحَاضَةً بَلْ هُوَ إِمَّا حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ وَحُكْمُهُمَا وَاحِدٌ فِي تَرْكِ الْعِبَادَاتِ وَقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ الْأَوَّلِ طُهْرٌ كَامِلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْكَامِلَ إِنَّمَا يُشْتَرَطُ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ، فَأَمَّا بَيْنَ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَلَا، كَمَا لَوْ رَأَتْ دَمًا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: إِنْ كَانَ الدَّمُ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute