إِحْدَاهُمَا: يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ تَطَهَّرَ لِصَلَاةِ نَافِلَةٍ أَوْ مَسِّ الْمُصْحَفِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُهُ عَنِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ الطَّهَارَةَ الْوَاجِبَةَ، وَلَا مَا وَجَبَتْ لَهُ الطَّهَارَةُ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ كَمَا لَوْ تَطَهَّرَ لِزِيَارَةِ الصَّدِيقِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَغَيْرُهُ: " إِنْ نَوَى الطَّهَارَةَ لِمَا يُشْرَعُ لَهُ رَفْعُ الْحَدَثِ، كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ - أَجْزَأَهُ وَإِنْ نَوَى مَا لَا يُشْرَعُ مَعَهُ رَفْعُ الْحَدَثِ كَالتَّجْدِيدِ وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ ".
فَصْلٌ
وَأَمَّا تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بِالْمَاءِ، فَالْمُرَادُ أَنْ يَغْسِلَ الظَّاهِرَ جَمِيعَهُ وَمَا فِي حُكْمِهِ مِنَ الْبَاطِنِ، وَهُوَ مَا يُمْكِنُ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَهُوَ مَا يُسَنُّ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ، أَوْ يُغْسَلُ مِنَ النَّجَاسَةِ كَالْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْتَ الشُّعُورِ الْكَثِيفَةِ، مِثْلَ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، وَمَوَاضِعِ الْمُبَالَغَةِ مِنْ بَاطِنِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ، هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَآخَرُونَ أَوْجَبُوا هُنَا مَا يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ يُنْهَى عَنِ الْمُبَالَغَةِ، فَإِنْ بَالَغَ دَخَلَ فِي الْمَنْهِيِّ، وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ لَزِمَ الْإِخْلَالُ بِوَاجِبٍ فِي الْغُسْلِ، وَلِأَنَّ الصَّائِمَ الْمُتَطَوِّعَ لَا يُبَالِغُ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا سَقَطَ بِالتَّطَوُّعِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي حَفْصٍ فِي الْوُضُوءِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ، فَبُلُّوا الشَّعْرَ، وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» ". احْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَعَلَ اللَّهِ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنَ النَّارِ " قَالَ عَلِيٌّ: " فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ شَعْرِي» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute