قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصِّفَةِ، بَقِيَ أَصْلُ الْفِعْلِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَمْ يَرِدْ مِثْلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ فِي الْمَضْمَضَةِ؛ وَلِأَنَّ طَرَفَ الْأَنْفِ لَا يَزَالُ مَفْتُوحًا لَيْسَ لَهُ سَاتِرٌ بِخِلَافِ الْفَمِ، وَلِهَذَا أُمِرَ الْقَائِمُ مِنْ نَوْمِهِ بِالِاسْتِنْشَاقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَضْمَضَةَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُمَا يَجِبَانِ فِي الْكُبْرَى دُونَ الصُّغْرَى؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ مَبْنَاهُ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ جَمِيعِ مَا يُمْكِنُ مِنَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ بِدَلِيلِ بَاطِنِ الشُّعُورِ الْكَثِيفَةِ مِنَ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ غَسْلُ مَا اسْتَتَرَ كَبَاطِنِ اللِّحْيَةِ.
وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِنْشَاقُ وَحْدَهُ فِي الْوُضُوءِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ النَّصُّ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ مُطْلَقًا، وَفَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِعْلِهِ وَتَعْلِيمِهِ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ فِي كُلِّ وُضُوءٍ تَوَضَّأَهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أَخَلَّ بِهِ أَبَدًا مَعَ اقْتِصَارِهِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ حِينَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: هَذَا صِفَةُ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ، وَهَذَا أَقْصَى حَدٍّ فِي اقْتِصَارِ الْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِعْلَهُ إِذَا خَرَجَ امْتِثَالًا لِأَمْرٍ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ ذَلِكَ الْأَمْرِ فِي اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ.
وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَأَخَلَّ بِهِ وَلَوْ مَرَّةً لِيُبَيِّنَ جَوَازَ التَّرْكِ كَمَا تَرَكَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمَّا تَوَضَّأَ قَالَ: هَذَا صِفَةُ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَتَمَضْمَضْ» " وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute