للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ - بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الواقعة: ١٧ - ١٨] إِلَى قَوْلِهِ: {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: ٢٢] وَهُنَّ لَا يُطَافُ بِهِنَّ وَإِنَّمَا يَطُفْنَ، كَأَنَّهُ قَالَ: يُؤْتَوْنَ بِهِنَّ. كَمَا قَالَ:

وَرَأَيْتُ زَوْجَكِ فِي الْوَغَا ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا.

وَقَالَ:

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا.

وَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْمَسْحَ الَّذِي هُوَ إِجْرَاءُ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ قَرِينَتَانِ.

إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ حَدَّدَهُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَالْحَدُّ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْمَغْسُولِ لَا لِلْمَمْسُوحِ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ مَنْ يَقُولُ بِالْمَسْحِ يَمْسَحُهُمَا إِلَى مُجْتَمَعِ الْقَدَمِ وَالسَّاقِ، فَيَكُونُ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبٌ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ: إِلَى الْكِعَابِ كَمَا قَالَ: " {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] "؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ يَقْتَضِي تَوْزِيعَ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ فَلَمَّا قَالَ " {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦] " عُلِمَ أَنَّ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَكُلُّ رِجْلٍ إِلَى كَعْبَيْهَا.

وَدَلَّنَا عَلَى مُرَادِ اللَّهِ مِنْ كِتَابِهِ رَسُولُهُ الْمُبَيِّنُ عَنْهُ مَا أُنْزِلُ إِلَيْنَا، فَإِنَّ سُنَنَهُ تُفَسِّرُ الْكِتَابَ وَتُبَيِّنُهُ وَتُعَبِّرُ عَنْهُ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الَّذِينَ وَصَفُوا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَالْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ أَخْبَرُوا أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «تَخَلَّفَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ فَأَدْرَكَنَا، وَقَدْ أَرْهَقَنَا الْعَصْرُ فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، قَالَ: فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ " وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

<<  <   >  >>