للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِقَوْلِهِ فَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ أَمَرَ بِمَسْحِ الرَّأْسِ كَمَا أَمَرَ بِمَسْحِ الْوَجْهِ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ، فَإِذَا أَوْجَبَ اسْتِيعَابَ الْوَجْهِ بِالتُّرَابِ فَاسْتِيعَابُ الرَّأْسِ بِالْمَاءِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الرَّأْسَ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ فَلَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا إِلَّا بِمَسْحِ جَمِيعِهِ، كَمَا لَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا إِلَّا بِغَسْلِ جَمِيعِ الْوَجْهِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَوَضَّأَ فَمَسَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ»، وَفِعْلُهُ مُبَيِّنٌ لِلْآيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَهُوَ مَعَ الْعِمَامَةِ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَذَلِكَ جَائِزٌ.

وَادِّعَاءُ أَنَّ الْبَاءَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ تُفِيدُ التَّبْعِيضَ لَا أَصْلَ لَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ مَوْثُوقٌ بِهِ، وَالِاسْتِعْمَالُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ قَدْ أَنْكَرَهُ الْمُعْتَمَدُونَ مِنْ عُلَمَاءِ اللِّسَانِ، ثُمَّ إِنْ قِيلَ: إِنَّهَا تُفِيدُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَهَذَا مَنْقُوضٌ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ، وَبُقُولِهِ: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: ٢٠]، وَقَرَأْتُ بِالْبَقَرَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَتَزَوَّجْتُ بِالْمَرْأَةِ، وَحَبَسْتُ صَدْرَهُ بِصَدْرِهِ، وَعَلِمْتُ بِهَذَا الْأَمْرِ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْكَلَامِ وَإِنِ ادَّعَى أَنَّهَا تُفِيدُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، فَذَلِكَ لَا مِنْ نَفْسِ الْبَاءِ بَلْ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ.

كَمَا قَدْ يُفَادُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الْبَاءِ، ثُمَّ مِنْ أَيْنَ عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَلَا فَرْقَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بَيْنَ قَوْلِكَ: أَخَذْتُ الزِّمَامَ وَأَخَذْتُ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: ٦] وَقَوْلُهُ " شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ " فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدِ التَّبْعِيضَ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ هُنَا وَإِنَّمَا

<<  <   >  >>