للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَكَّسَهَا أَوْ غَسَلَهَا جَمِيعًا بِاغْتِمَاسٍ أَوْ يُوَضِّئُهُ أَرْبَعَةٌ لَمْ يُجْزِئْهُ. فَأَمَّا مَا كَانَ مَخْرَجُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَاحِدًا كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إِذَا قَدَّمَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ كَتَقْدِيمِ ظَاهِرِ الْوَجْهِ عَلَى بَاطِنِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَتَقْدِيمِ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى فَإِنَّهُ جَائِزٌ. وَقَدْ حَكَى أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ مَأْخُوذٌ مِنْ نَصِّهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ عَنْ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَأَبَى ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَخَصُّوا ذَلِكَ بِمَوْرِدِ نَصِّهِ فَرْقًا بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ صَرَّحَ هُوَ بِالتَّفْرِقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَهَذَا أَصَحُّ، وَلَيْسَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ؛ لِاعْتِقَادِنَا أَنَّ الْوَاوَ تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، فَإِنَّ نَصَّهُ وَمَذْهَبَهُ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَاهُ لِدَلِيلٍ آخَرَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَدْخَلَ مَمْسُوحًا بَيْنَ مَغْسُولَيْنِ، وَقَطَعَ النَّظِيرَ عَنْ نَظِيرِهِ، أَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ فَظَاهِرٌ مَعَ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَادَ الْأَمْرُ إِلَى (الْغَسْلِ) وَعَلَى قِرَاءَةِ الْخَفْضِ أَوْكَدُ ; لِأَنَّهُ مَعَ تَأْخِيرِ الرِّجْلَيْنِ أَدْخَلَهُمَا فِي خَبَرِ الْمَسْحِ مُرَادٌ بِهِ غَسْلُهُمَا مَعَ إِمْكَانِ تَقْدِيمِهِمَا.

وَالْكَلَامُ الْعَرَبِيُّ الْجَزْلُ لَا يُقْطَعُ فِيهِ النَّظِيرُ عَنِ النَّظِيرِ، وَيُفْصَلُ بَيْنَ الْأَمْثَالِ بِأَجْنَبِيٍّ إِلَّا لِفَائِدَةٍ، وَلَا فَائِدَةَ هُنَا إِلَّا التَّرْتِيبُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الرَّجُلُ أَكْرَمْتُ زَيْدًا، وَأَهَنْتُ عَمْرًا وَأَكْرَمْتُ بَكْرًا وَلَمْ يَقْصِدْ فَائِدَةً مِثْلَ التَّرْتِيبِ وَنَحْوِهِ لَعُدَّ عَيًّا وَلُكْنَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَائِدَةُ اسْتِحْبَابَ التَّرْتِيبِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا ذُكِرَ فِيهَا الْوَاجِبَاتُ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ لَمْ يُذْكَرُ فِيهَا تَرْتِيبُ الْيُسْرَى

<<  <   >  >>