وَلِأَنَّ الْمُوَالَاةَ تَابِعَةٌ لِلتَّرْتِيبِ، وَالتَّرْتِيبُ إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ عُضْوَيْنِ، وَبَدَنُ الْجُنُبِ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ؛ وَلِأَنَّ تَفْرِيقَ الْغُسْلِ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ كَثِيرًا فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَصْلَحَ لِلْبَدِينِ، وَقَدْ يَنْسَى فِيهِ مَوْضِعَ لُمْعَةٍ أَوْ لُمْعَتَيْنِ أَوْ بَاطِنَ شَعْرِهِ، وَفِي إِعَادَتِهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَالْوُضُوءُ يَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهِ وَتَخِفُّ مَؤُونَةُ الْإِعَادَةِ فَافْتَرَقَا؛ وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ يَتَعَدَّى حُكْمُهُ مَحَلَّهُ إِلَى سَائِرِ الْبَدَنِ؛ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا جُمْلَةَ الْغُسْلِ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ مَحَلَّهُ فَأَشْبَهَ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً» ".
وَمَتَّى فَرَّقَ الْغُسْلَ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ يَسْتَأْنِفُهَا فِي تَمَامَهِ، وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ إِذَا أَخَّرْنَا تَفْرِيقَهُ ; لِأَنَّ النِّيَّةَ الْحُكْمِيَّةَ تَبْطُلُ بِطُولِ الْفَصْلِ كَمَا تَبْطُلُ بِطُولِ الْفَصْلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ، وَلَا تَسْقُطُ الْمُوَالَاةُ بِالنِّسْيَانِ، فَلَوْ نَسِيَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ مِنْ قَدَمِهِ وَطَالَ الْفَصْلُ، أَعَادَ الْوُضُوءَ إِذَا ذَكَرَهُ، وَكَذَلِكَ الْجَاهِلُ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ كَانَ جَاهِلًا وَلَمْ يَعْذُرْهُ بِذَلِكَ، وَحَدُّ الْمُوَالَاةِ أَنْ يَغْسِلَ الْعُضْوَ الثَّانِيَ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ الْمَاءُ عَنِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الزَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ أَوْ مِقْدَارِهِ مِنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ.
فَلَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ حَتَّى نَشَفَتْ رُطُوبَةُ الْأَوَّلِ أَوْ أَخَّرَ غَسْلَ آخِرِهِ حَتَّى نَشِفَ أَوَّلُهُ اسْتَأْنَفَ فَإِنَّ الْأَوَّلَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الثَّانِي وَقَبْلَ فَرَاغِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِسُنَّةٍ مِنْ تَخْلِيلٍ أَوْ تَكْرَارٍ أَوْ إِسْبَاغٍ أَوْ إِزَالَةِ شَكٍّ لَمْ يُعَدَّ تَفْرِيقًا كَمَا لَوْ طَوَّلَ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا كَانَ فِي عِلَاجِ الْوُضُوءِ فَلَا بَأْسَ " وَإِنْ كَانَ لِعَبَثٍ أَوْ سَرَفٍ أَوْ زِيَادَةٍ عَلَى الثَّلَاثِ قَطَعَ الْمُوَالَاةَ كَمَا لَوْ كَانَ لِتَرْكٍ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ لِوَسْوَسَةٍ فِي الْأَقْوَى، وَإِنْ كَانَ لِإِزَالَةِ وَسَخٍ فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الطَّهَارَةِ شَرْعًا وَعَنْهُ أَنَّ التَّفْرِيقَ الْمُبْطِلَ مَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ تَفْرِيقًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute