فَإِنَّ عَادَتَهُ أَنْ يُبْتَدَأَ لُبْسُهُ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، وَغَسْلُهُ فِي الْخُفِّ نَادِرٌ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ وَقَدْ عَلَّلَ أَصْحَابُنَا الْخُفَّ بِنُدْرَةِ غَسْلِ الرِّجْلِ فِيهِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَنْعَكِسُ فِي الْعِمَامَةِ لَا سِيَّمَا إِنْ قُلْنَا: ابْتِدَاءُ اللُّبْسِ عَلَى كَمَالِ الطَّهَارَةِ وَاجِبٌ، فَأَمَّا إِنْ قُلْنَا: يَكْفِي لُبْسُهَا عَلَى طَهَارَةِ مَحَلِّهَا وَجَعَلْنَا رَفْعَهَا شَيْئًا يَسِيرًا، ثُمَّ إِعَادَتَهَا ابْتِدَاءَ لُبْسٍ فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَا ذَكَرْنَا.
فَصْلٌ:
يُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ وَهُوَ حَاقِنٌ كَمَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ، وَطَرْدُ ذَلِكَ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافُ بِهَا لِأَنَّ الْحَدَثَ الْقَرِيبَ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَالْحَاصِلِ فِي الْمَنْعِ فَلَا أَقَلَّ مِنَ الْكَرَاهَةِ، وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّ سُؤْرَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَتَطَهَّرَ مِنْهُ ثُمَّ لَبِسَ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ تَوَضَّأَ مِنْهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ إِذَا كَانَ طَاهِرًا فَقَدْ صَلَّى بِطَهَارَةِ وُضُوءٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَقَدْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَفِي هَذِهِ لَبِسَ عَلَى طَهَارَةٍ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهَا وَالطَّهَارَةُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: غَسْلٌ، وَمَسْحٌ، وَتَيَمُّمٌ، وَطَهَارَةُ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَإِذَا لَبِسَهُ عَلَى طَهَارَةِ غَسْلٍ فَلَا شُبْهَةَ فِيهِ وَإِذَا لَبِسَهُ عَلَى طَهَارَةِ مَسْحٍ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَلْبَسَ خُفًّا عَلَى طَهَارَةِ مَسْحِ الْخُفِّ مِثْلَ أَنْ يَلْبَسَ خُفًّا أَوْ جَوْرَبًا فَيَمْسَحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَلْبَسَ فَوْقَهُ خُفًّا أَوْ جُرْمُوقًا فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الطَّهَارَةَ لَا يُمْسَحُ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى مَحْسُوبٌ مِنَ الْمُدَّةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَبَاحَ الْمَسْحَ عَلَى طُهْرٍ مَسْحَ ثَلَاثٍ؛ وَلِأَنَّ الْخُفَّ التَّحْتَانِيَّ بَدَلٌ عَنِ الرِّجْلِ وَالْبَدَلُ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَبِسَ الْفَوْقَانِيَّ قَبْلَ أَنْ " يُحْدِثَ " فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُ الْبَدَلِ فَجَازَ أَنْ يَمْسَحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute