الثَّالِثُ: أَنْ يَلْبَسَ خُفًّا عَلَى طَهَارَةِ مَسْحِ الْعِمَامَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ يَشُدَّ جَبِيرَةً عَلَى طَهَارَةِ مَسْحِ أَحَدِهِمَا، وَنَقُولُ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي الْجَبِيرَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّهُ لُبِسَ عَلَى طَهَارَةٍ نَاقِصَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى خُفٍّ مَمْسُوحٍ أَوْ لَبِسَ الْعِمَامَةَ عَلَى قَلَنْسُوَةٍ مَمْسُوحَةٍ، وَجَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَيْهَا.
وَالثَّانِي: الْجَوَازُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ طَهَارَةَ الْمَسْحِ تَرْفَعُ الْحَدَثَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالنَّصُّ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ بِعُمُومِهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي الْمَلْبُوسِ مَعَ الْمَمْسُوحِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْبَدَلِ، وَلِبَعْضِ الْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إِذَا لَبِسَهُ عَلَى طَهَارَةِ تَيَمُّمٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بَعْدَ لُبْسِهِ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ ظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ السَّابِقِ قَبْلَ لُبْسِهِ فَيَكُونُ فِي التَّقْدِيرِ قَدْ لَبِسَ وَهُوَ مُحْدِثٌ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَعَلْنَاهُ مُتَطَهِّرًا فِي مَا لَا يَسْتَمِرُّ حُكْمُهُ كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا إِلَى الْمَسْحِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ غَسْلِ رِجْلَيْهِ وَلُبْسِ الْخُفِّ حِينَئِذٍ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ يَتَيَمَّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَأَمَّا مَنْ تَيَمَّمَ خَوْفَ الضَّرَرِ بِاسْتِعْمَالِهِ لِجُرْحٍ أَوْ قُرْحٍ فَإِنَّهُ إِذَا لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى هَذِهِ الطَّهَارَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَتَعْلِيلُ أَصْحَابِنَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الطُّهْرُ الَّذِي مَعَهُ حَدَثٌ دَائِمٌ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا إِذَا لَبِسَتِ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَتِهَا تَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْحَضَرِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ فِي السَّفَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَلَا تَتَقَيَّدُ بِالْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ كَطَهَارَةِ ذِي الْحَدَثِ الْمُنْقَطِعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الطَّهَارَةَ كَامِلَةٌ فِي حَقِّهَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ فَرْضٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ اللُّبْسِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ حِينَ ابْتَدَأَهُ وَقَدْ كَانَتْ طَهَارَتُهُ حُكْمًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ الْمَاءُ زَالَتْ ضَرُورَتُهُ فَظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ السَّابِقِ، وَمَظِنَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَنْقَطِعَ دَمُهَا فِي ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ الِانْقِطَاعَ الْمُعْتَبَرَ فَإِنَّ ضَرُورَتَهَا قَدْ زَالَتْ فَكَذَلِكَ قُلْنَا هُنَا تَبْطُلُ طَهَارَتُهَا مِنْ أَصْلِهَا حَتَّى يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ ظَهَرَ عَمَلُهُ كَمَا يَلْزَمُ الْمُتَيَمِّمَ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute