قُبُلِ الْمَرْأَةِ وَقُبُلِ الرَّجُلِ فِي الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَتِ الرِّيحُ مِنْ قُبُلِهِمَا أَنَّهُمَا يَتَوَضَّآنِ " وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ " قِيَاسُ مَذْهَبِنَا أَنَّ الرِّيحَ تَنْقُضُ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ " لِأَنَّ الصَّائِمَ إِذَا قَطَّرَ فِي إِحْلِيلِهِ لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الذَّكَرِ إِلَى الْجَوْفِ مَنْفَذٌ بِخِلَافِ قُبُلِ الْمَرْأَةِ.
وَرِيحُ الدُّبُرِ إِنَّمَا نَقَضَتْ لِأَنَّهَا تَسْتَصْحِبُ بِخُرُوجِهَا أَجْزَاءَ لَطِيفَةً مِنَ النَّجَاسَةِ، بِدَلِيلِ نَتَنِهَا فَإِنَّ الرَّائِحَةَ صِفَةٌ لَا تَقُومُ إِلَّا بِأَجْزَاءٍ مِنَ الْجِسْمِ وَكَذَلِكَ رِيحُ قُبُلِ الْمَرْأَةِ بِدَلِيلِ نَتَنِهَا، وَرُبَّمَا عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا لَا يُدْرَكُ فَتَعْلِيقُ النَّقْضِ بِهِ مُحَالٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ الشَّيْءُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ («لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا») وَهَذِهِ الرِّيحُ لَا تُسْمَعُ وَلَا تُشَمُّ وَإِنَّمَا تُعْلَمُ بِأَنْ يَحُسَّ الْإِنْسَانُ فِي ذَكَرِهِ بِدَبِيبٍ يَعْتَقِدُهُ قَطْرَةَ بَوْلٍ فَإِذَا انْتَهَى إِلَى طَرَفِ الذَّكَرِ فَلَمْ يَجِدْ لَهُ (أَثَرًا) عَلِمَ أَنَّهَا الرِّيحُ، وَيَلْتَزِمُ مَنْ قَالَ هَذَا بِنَجَاسَةِ الْمَنِيِّ، وَإِنَّ الرِّيحَ تُنْجِسُ الْمَاءَ الْيَسِيرَ حَيْثُ لَمْ يَنْقُضِ الطَّهَارَةَ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ وَيُعْتَذَرُ عَنِ الْمَنِيِّ بِأَنَّهُ يُوجِبُ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى، فَلَا يَدْخُلُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ فَإِنَّ مَنِيَّ الرَّجُلِ إِذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ اغْتِسَالِهَا أَوْ خَرَجَتْ مِنَ الرَّجُلِ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ وَجَبَ الْوُضُوءُ دُونَ الْغُسْلِ.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ السَّبِيلِ فَنَقَضَ، كَرِيحِ الدُّبُرِ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ، وَاكْتِسَابُهَا رِيحَ النَّجَاسَةِ لَا يَضُرُّ فَإِنَّ الرِّيحَ قَدْ تُكْتَسَبُ مِنِ انْفِصَالِ أَجْزَاءٍ كَالْحَشَا الْمُتَغَيِّرَةِ وَالْمَاءِ بِجِيفَةٍ عَلَى جَانِبِهِ، وَلَوْ فَرَضْنَا انْفِصَالَ أَجْزَاءٍ مِنَ النَّجَاسَةِ فَإِنَّمَا خَالَطَتْ أَجْزَاءً هَوَائِيَّةً وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ التَّنَجُّسَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُمُ: الرِّيحُ الْخَبِيثَةُ إِنَّمَا خَرَجَتْ مُسْتَصْحِبَةً لِأَجْزَاءٍ مِنَ النَّجَاسَةِ، قُلْنَا: بَلْ نَادَتِ الرَّائِحَةُ إِلَى الْهَوَاءِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ أَجْزَاءٍ، كَمَا تُنَادِي الْحَرَارَةُ إِلَى الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَجْزَاءٍ مِنَ النَّارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute