للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الِابْتِدَاءُ وَالدَّوَامُ، بَلِ الدَّوَامُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ، وَيُقَوِّي الشَّبَهَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْوُضُوءِ وَالنِّكَاحِ يَسْتَوِيَانِ فِي مُفَارَقَةِ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَطَهَّرُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ، أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ - لَمْ يَحْنَثْ، وَقَدْ أَبْطَلَ الْكُفْرُ النِّكَاحَ، فَكَذَلِكَ يُبْطِلُ الْوُضُوءَ، فَأَمَّا الْكَلَامُ الْمُحَرَّمُ كَالْقَذْفِ وَالْكَذِبِ وَالِاغْتِيَابِ فَيُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ، وَلَا يَجِبُ؛ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " لَأَنْ أَتَوَضَّأُ مِنَ الْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَوَضَّأَ مِنَ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ ". وَرَوَى عَنْهُ قَالَ: " «الْحَدَثُ حَدَثَانِ؛ حَدَثُ اللِّسَانِ وَحَدَثُ الْفَرْجِ، وَحَدَثُ اللِّسَانِ أَشَدُّ مِنْ حَدَثِ الْفَرْجِ» ". وَرَوَاهُ ابْنُ شَاهِينَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى الرِّدَّةِ؛ إِذْ لَيْسَ فِي اللِّسَانِ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ غَيْرُهَا، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْحَدَثَ بِاللِّسَانِ - وَهُوَ الْكَلَامُ الْمُحَرَّمُ - يُوجِبُ الْإِثْمَ وَالْعِقَابَ، فَهُوَ أَعْظَمُ مِمَّا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَقَطْ، وَرَوَى حَرْبٌ عَنْهُ «أَنَّ رَجُلَيْنِ صَلَّيَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، وَكَانَا صَائِمَيْنِ، فَلَمَّا قَضَيَا الصَّلَاةَ قَالَ: " أَعِيدَا وُضُوءَكُمَا وَصَلَاتَكُمَا، وَامْضِيَا فِي صَوْمِكُمَا وَاقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ " قَالَا: " لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " اغْتَبْتُمَا فُلَانًا». وَفِي إِسْنَادِهِ نَوْعُ جَهَالَةٍ، وَمَعْنَاهُ الِاسْتِحْبَابُ؛ لِأَنَّ إِسْبَاغَ الْوُضُوءِ يَمْحُو الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ، فَسُنَّ عِنْدَ أَسْبَابِهَا كَمَا تُسَنُّ الصَّلَاةُ. وَقَدْ «رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ، وَإِذَا حَدَّثَنِي غَيْرُهُ اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَنِي - وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - أَنَّهُ

<<  <   >  >>