وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ لَوِ انْدَرَجَ فِي الْعُمُومِ قَصْدًا لَمْ يُفِدِ الْعُمُومَ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ مَسَّتْهُ النَّارُ، وَلَا يَبْقَى الْمُتَوَضِّئُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، كَمَا لَوْ نُسِخَ التَّوَضُّؤُ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ لَمْ يَنْفِ التَّوَضُّؤَ مِنْ مَسِّ فَرْجِ الْمَرْأَةِ لِشَهْوَةٍ، وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مُخَالِفًا مُعْتَقًا وَقَدْ نُسِخَ مِيرَاثُ الْمُخَالِفِ، لَمْ يُنْسَخْ إِرْثُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُعْتَقٌ.
وَسَادِسُهَا: أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّوَضُّؤِ مِنْ لَحْمِهَا مَعَ نَهْيِهِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِهَا فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ، مَعَ تَرَخُّصِهِ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ لَحْمِ الْغَنَمِ، وَإِذْنِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِهَا، وَذَلِكَ اخْتِصَاصُ الْإِبِلِ بِوَصْفٍ قَابَلَتْ بِهِ الْغَنَمَ، اسْتَوْجَبَتْ لِأَجْلِهِ فِعْلَ التَّوَضُّؤِ وَتَرْكَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا الْحُكْمُ بَاقٍ ثَابِتٌ فِي الصَّلَاةِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْوُضُوءِ.
وَسَابِعُهَا: أَنَّهُ قَدْ أَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِبِلِ إِلَى " «أَنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ» يُرِيدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الشَّيَاطِينِ وَنَوْعِهِمْ، فَإِنَّ كُلَّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ شَيْطَانٌ مِنْ أَيِّ الدَّوَابِّ كَانَ، كَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ شَيْطَانٌ، وَالْإِبِلُ شَيَاطِينُ الْأَنْعَامِ، كَمَا لِلْإِنْسِ شَيَاطِينُ وَلِلْجِنِّ شَيَاطِينُ؛ وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَرْكَبُوهُ بِرْذَوْنًا فَجَعَلَ يُهَمْلِجُ بِهِ فَقَالَ: " إِنَّمَا أَرْكَبُونِي شَيْطَانًا ". وَالتَّجَالُسُ وَالِاجْتِمَاعُ، وَلِذَلِكَ كَانَ عَلَى كُلِّ ذُرْوَةِ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ. وَالْغَنَمُ هِيَ مِنَ السَّكِينَةِ، وَالسَّكِينَةُ مِنْ أَخْلَاقِ الْمَلَائِكَةِ، فَلَعَلَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَكَلَ لَحْمَ الْإِبِلِ أَوْرَثَتْهُ نِفَارًا وَشِمَاسًا وَحَالًا شَبِيهًا بِحَالِ الشَّيْطَانِ.
وَالشَّيْطَانُ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِهَا؛ كَسْرًا لِتِلْكَ الصُّورَةِ وَقَمْعًا لِتِلْكَ الْحَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَلْبَ الْإِنْسَانِ وَخُلُقَهُ يَتَغَيَّرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute