وَالثَّانِيَةُ: لَا يَنْقُضُ اخْتَارَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «تَمَضْمَضُوا مِنَ اللَّبَنِ؛ فَإِنَّ لَهُ دَسَمًا» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَهَذَا يُفِيدُ الِاكْتِفَاءَ بِالْمَضْمَضَةِ فِي كُلِّ لَبَنٍ، وَأَنَّ الْأَمْرَ بِهَا اسْتِحْبَابٌ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أُتِيَ بِلَبَنٍ مِنْ أَلْبَانِ الْإِبِلِ فَشَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ: " أَلَا تَتَوَضَّأُ؟ " فَقَالَ: " لَا أُبَالِيهِ بَالَةً اسْمَحْ يُسْمَحْ لَكَ " رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَعْرَابَ الَّذِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا مَعَ كَوْنِهِمْ حَدِيثِي عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْوُضُوءِ».
وَحَدِيثُ أُسَيْدٍ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (فِيهِ) بَقِيَّةُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ: " فِيهِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ " يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا سِوَاهُمَا، وَلَيْسَ فِيهِمَا اللَّبَنُ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا كُلِّهِ. أَمَّا الْمَضْمَضَةُ مِنَ اللَّبَنِ، فَلَا يَنْفِي وُجُوبَ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ مَأْمُورٌ بِهَا عِنْدَ الشُّرْبِ لِإِزَالَةِ الدَّسَمِ، وَالْوُضُوءُ إِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، كَالْأَمْرِ بِغَسْلِ الْيَدِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِنْشَاقِ وَالسِّوَاكِ لَا يَنْفِي وُجُوبَ غَسْلِ الْيَدِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِسَبَبٍ وَهَذَا لِسَبَبٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّ اللَّبَنَ كَاللَّحْمِ، وَاللَّحْمُ تُغْسَلُ مِنْهُ الْيَدُ وَالْفَمُ، وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْهَا، وَالنَّجَاسَةُ الْخَارِجَةُ يُغْسَلُ مَوْضِعُهَا، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ تَبْلُغْهُ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ بَلَاغًا تَقُومُ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute