حُكْمَهُ فِي التَّطْهِيرِ وَالتَّنْجِيسِ، وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ الْبَوْلَ كَذَلِكَ، لَمْ يُسْتَبْعَدْ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مَأْكُولٌ مُعْتَادٌ، بِخِلَافِ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إِنَّ الْبَوْلَ وَالْعَرَقَ وَالشَّعْرَ لَا يَنْقُضُ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي أَوْجَبَتِ النَّقْضَ بِاللَّحْمِ لَمْ تَخْلُصْ لَنَا؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ، وَاللَّبَنُ يُشَارِكُ اللَّحْمَ فِي عَامَّةِ أَحْكَامِهِ.
وَفِي النَّقْضِ بِالْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا تُسَمَّى لَحْمًا كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالسَّنَامِ وَالْكِرْشِ وَالْمَصِيرِ وَالْجِلْدِ - وَجْهَانِ، وَقِيلَ فِيهَا رِوَايَتَانِ:
لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا مُخَرَّجَتَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا (فَمِنْهُمْ) مَنْ يُطْلِقُهُمَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِيهِمَا عَلَى اللَّبَنِ. إِحْدَاهُمَا: لَا تَنْقُضُ وَإِنْ قُلْنَا بِالنَّقْضِ فِي اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ؛ إِذْ لَا نَصَّ فِيهِ قَوِيٌّ وَلَا ضَعِيفٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ.
وَالثَّانِيَةُ: تَنْقُضُ سَوَاءٌ إِنْ قُلْنَا يَنْقُضُ اللَّبَنُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ إِطْلَاقَ اللَّحْمِ فِي الْحَيَوَانِ يَدْخُلُ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُ اللَّحْمَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ أَغَلَبُ الْأَجْزَاءِ، وَلِهَذَا دَخَلَتْ فِي مُطْلَقِ اسْمِ الْخِنْزِيرِ، وَلِأَنَّهَا أَوْلَى بِالْبَعْضِ مِنَ اللَّبَنِ وَقَدْ جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ اللَّحْمَ وَاللَّبَنَ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ سَائِرَ الْأَجْزَاءِ، وَلِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنَ الْجَزُورِ فَنَقَضَتْ كَاللَّحْمِ، وَقِيَاسُ الشَّبَهِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ فِي الْأَصْلِ، فَإِنَّ الْمُشَابَهَةَ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْكَبِدِ وَالسَّنَامِ مَنْ أَبَيْنِ الْأَشْبَاهِ؛ وَلِهَذَا اشْتَرَكَا فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَالدُّسُومَةِ وَالزُّهُومَةِ، وَقَوْلُهُمْ: الْحُكْمُ بَعِيدٌ إِنْ أُرِيدَ بِهِ هُنَا مُجَرَّدُ امْتِحَانٍ وَابْتِلَاءٍ، فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ إِشَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى التَّعْلِيلِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّا نَحْنُ لَمْ نَعْتَقِدِ الْعِلَّةَ، فَهَذَا مُسَلَّمٌ لِمَنِ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، لَكِنْ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ قِيَاسِ الشَّبَهِ مَعَ أَنَّنَا أَوْمَأْنَا إِلَى التَّعْلِيلِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِمَا فَهِمْنَاهُ مِنْ إِيمَاءِ الشَّارِعِ، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْإِبِلَ حِينَ خُلِقَتْ مِنْ جِنٍّ وَأَنَّهَا شَيَاطِينُ، فَأَكْلُ لَحْمِهَا يُورِثُ ضَرْبًا مِنْ طِبَاعِهَا وَنَوْعًا مِنْ أَحْوَالِهَا، وَالْوُضُوءُ يُزِيلُ ذَلِكَ الْأَثَرَ، وَهَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ اللَّحْمُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَجْزَاءِ، وَلَعَلَّهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute