وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنَ الْمُحَرَّمِ: مَا لَيْسَ بِطَوَّافٍ وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا الْوَحْشِيُّ وَهُوَ سِبَاعُ الْبَهَائِمِ وَجَوَارِحُ الطَّيْرِ وَمَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ مِثْلُ الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ فَهَذَا نَجِسٌ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْأُخْرَى هُوَ طَاهِرٌ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتِ الْحُمُرُ، قَالَ: " نَعَمْ، وَبِمَا أَفْضَلَتِ السِّبَاعُ كُلُّهَا»، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ وَيُفَارِقُ الْكَلْبُ بِجَوَازِ اقْتِنَائِهِ مُطْلَقًا وَجَوَازِ بَيْعِهِ، وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْقُلَّتَيْنِ لَمَّا سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَاءِ يَكُونُ بِأَرْضِ الْفَلَاةِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ.
وَلَوْ كَانَتْ أَسْؤُرُهَا طَاهِرَةً لَمْ يَكُنْ لِلتَّحْدِيدِ فَائِدَةً وَلَا يُقَالُ: لَعَلَّهُ أَرَادَ إِذَا بَالَتْ فِيهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا إِنَّمَا تَرِدُهُ لِلشُّرْبِ، وَالْبَوْلُ فِيهِ نَادِرٌ، فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى الصُّوَرِ الْقَلِيلَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ لَبَيَّنَهُ أَيْضًا، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَلَّلَ طَهَارَةَ الْهِرِّ بِأَنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْنَا عُلِمَ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِنَجَاسَتِهَا قَائِمٌ وَهُوَ كَوْنُهَا مُحَرَّمَةً لَكِنْ عَارَضَهُ مَشَقَّةُ الِاحْتِرَازِ مِنْهَا فَطُهِّرَتْ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّلَ طَهَارَتَهَا بِالطَّوَافِ وَجَبَ التَّعْلِيلُ بِهِ، وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ أَنَّهَا طُهِّرَتْ لِأَنَّهَا حَيَوَانٌ لَا يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ وَلَيْسَ لِلطَّوَافِ أَثَرٌ عِنْدَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute