الْفَصْلُ الثَّالِثُ:
إِذَا كَانَ وَاجِدُ الْمَاءِ يَخَافُ إِنِ اسْتَعْمَلَهُ أَنْ يَعْطَشَ هُوَ أَوْ أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ أَوْ بَهَائِمِ رُفْقَتِهِ الْمُحْتَرَمَةِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَتَيَمَّمُونَ وَيَحْبِسُونَ الْمَاءَ لِشِفَاهِهِمْ ".
فَأَمَّا الْبَهَائِمُ الَّتِي يُشْرَعُ قَتْلُهَا كَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَالْبَهِيمِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، فَلَا يُحْبَسُ لَهَا الْمَاءُ ثُمَّ إِنْ كَانَ هُوَ الْعَطْشَانَ أَوْ يَخَافُ الْعَطَشَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ أَوْ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَجَبَ تَقْدِيمُ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ الْوَاجِبَةِ، فَتُقَدَّمُ عَلَى الْعِبَادَاتِ، كَمَا تُقَدَّمُ نَفَقَةُ النَّفْسِ وَالْأَقَارِبِ الْمُتَعَيِّنَةُ عَلَى الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ الْعَطْشَانُ رُفْقَتَهَ أَوْ بَهَائِمَهُ، فَالْأَفْضَلُ حَبْسُ الْمَاءِ لَهُمْ، وَهُوَ وَاجِبٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا، وَفِي الْآخَرِ: لَا يَجِبُ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: " إِذَا كَانَ مَعَهُ إِدَاوَةٌ فِيهَا مَاءٌ فَرَأَى عِطَاشًا فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَسْقِيَهُمْ وَيَتَيَمَّمَ ".
وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ (إِلَّا) إِنْ خِيفَ عَلَيْهِمُ التَّلَفُ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ أَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ عَلَى عَطَشٍ لَا يُخَافُ مَعَهُ التَّلَفُ، وَقِيلَ: إِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِيمَا إِذَا خِيفَ أَنْ يَعْطَشُوا، فَأَمَّا الْعَطَشُ الْحَاضِرُ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ سَقْيِهِمْ لَهُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعَطْشَانَ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute