الَّذِي يَجِبُ قَصْدُ مِائِهِ مَا يَتَرَدَّدُ الْمُسَافِرُ إِلَيْهِ لِلرَّعْيِ أَوْ لِلِاحْتِكَارِ عَادَةً، أَوِ الْفَرْسَخُ فَمَا دُونَهُ كَالْجُمُعَةِ، أَوِ الْمِيلُ فَمَا دُونَهُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.
الْفَصْلُ الْخَامِسُ:
إِذَا أَعْوَزَهُ إِلَّا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا بُذِلَ لَهُ الْمَاءُ لِطَهَارَتِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَلَا مِنَّةَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ فِي عُرْفِ النَّاسِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا بُذِلَ لَهُ ثَمَنُ الْمَاءِ أَوْ بُذِلَتْ لَهُ الِاسْتِطَاعَةُ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ذَا ثَمَنٍ فِي الْمَفَاوِزِ وَأَوْقَاتِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ يَحْتَاجُهُ لِلشُّرْبِ؛ إِذْ لَا بُدَّ لَهُ فِي الشُّرْبِ، فَأَمَّا لِلطَّهَارَةِ فَلَا ضَرُورَةَ بِأَحَدٍ إِلَيْهِ لِقِيَامِ التُّرَابِ مَقَامَهُ، وَلِذَلِكَ إِذَا وَجَدَ مَنْ يَبِيعُهُ إِيَّاهُ بِثَمَنٍ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ أَوْ مِثْلِهَا فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ وَوَجَدَ ثَمَنَهُ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي نَفَقَتِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ السُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ وَالرَّقَبَةِ لِلْكَفَّارَةِ وَالْهَدْيِ لِلتَّمَتُّعِ، وَكَذَلِكَ إِنْ زِيدَ عَلَى مَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ بِمِثْلِهِ زِيَادَةً يَسِيرهً لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ، فَإِنْ كَانَتْ تُجْحِفُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَذَكَرَهَا الْقَاضِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ كَثِيرًا إِذَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِمَالِهِ، كَمَا يَجِبُ بَذْلُ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى " إِلَّا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ " فَإِنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الْمُجْحِفُ وَالَّذِي يَزِيدُ عَلَى غَبَنِ الْعَادَةِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي شِرَاءِ الْهَدْيِ وَالرَّقَبَةِ وَالسُّتْرَةِ وَآلَاتِ الْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا يَجِبُ صَرْفُهُ فِي الْعِبَادَاتِ، فَإِنْ وَجَدَ الثَّمَنَ فِي بَلَدِهِ وَوَجَدَ مَنْ يَبِيعُهُ فِي الذِّمَّةِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ عِنْدَ الْقَاضِي، كَمَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ لِذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ كَالْمُتَمَتِّعِ إِذَا عُدِمَ الْهَدْيُ فِي مَوْضِعِهِ دُونَ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْوَقْتِ بِخِلَافِ الْمُكَفِّرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute