يَكْرِيهِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَلَهُ مَا يُوَفِّيهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ زَمَنَ ذَلِكَ يَسِيرٌ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ تَطُولُ وَيُخَافُ تَلَفُ الْمَالِ وَبَقَاءُ الذِّمَّةِ مَشْغُولَةً، وَكَذَلِكَ إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ عُضْوًا عُضْوًا وَكُلَّمَا غَسَلَ شَيْئًا سَتَرَهُ، وَإِذَا صَلَّى " بِالتَّيَمُّمِ " لِخَشْيَةِ الْبَرْدِ فَلَا إِعَادَةَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
وَعَنْهُ يُعِيدُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَعَنْهُ يُعِيدُ فِي الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْحَضَرَ مُظِنَّةُ دَفْعِ الْبَرْدِ بِالْأَكْنَانِ وَالْمِيَاهِ الْفَاتِرَةِ، فَالنُّدْرَةُ فِيهِ مُحَقَّقَةٌ، بِخِلَافِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَكْثُرُ فِيهِ الْبَرْدُ خُصُوصًا فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ، وَحَدِيثَا عَمْرٍو وَابْنِ عَبَّاسٍ حُجَّةٌ عَلَى الْإِعَادَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعِدْ وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِعَادَةِ وَلَا لِأَحَدٍ صَلَّى خَلْفَهُ وَقَدْ أَقَرَّهُ عَلَى تَعْلِيلِهِ بِخَشْيَةِ الضَّرَرِ، وَهِيَ عِلَّةٌ تَجْمَعُ الْمُقِيمَ وَالْمُسَافِرَ، وَلِأَنَّهُ فَعَلَ الْعِبَادَةَ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعُذْرِ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فِيمَا رَجَعَ إِلَى الْإِخْلَالِ بِصِفَاتِ الْعِبَادَةِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فِي الْحَيْضِ لِأَنَّ الْحَائِضَ تَرَكَتِ الصَّوْمَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ فَعَلُوا الْمَفْرُوضَ فِي الْوَقْتِ، فَإِذَا وَجَبَ قَضَاؤُهُ لَزِمَهُمْ فِعْلُ الْعِبَادَةِ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ يُقَاسُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ الْحَائِضَ يَجِبُ عَلَيْهَا صَوْمٌ وَاحِدٌ فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ، وَهَؤُلَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ مَعَ الْفَرِيضَةِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي، فَهُمْ بِقَضَاءِ الْحَائِضِ لِلصَّلَاةِ أَشْبَهُ، وَمَتَى أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ فَالثَّانِيَةُ فِي فَرْضِهِ، وَالْأُولَى نَافِلَةٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، كَالْمُعَادَةِ مَعَ إِمَامِ الْحَيِّ، فَإِنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ هُنَاكَ بِالْأُولَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ حُكْمُ الْأَوْلَى نَافِلَةً عِنْدَ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِالْإِعَادَةِ، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَرْضًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ لِاشْتِمَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى نَوْعٍ مِنَ النَّقْصِ يَنْجَبِرُ بِالْأُخْرَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute