وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُ: يَمْضِي فِيهَا وَلَا يُبْطِلُهَا، فَحَمَلَ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ الْمَسْأَلَةَ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَأَثْبَتَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَهُ بِاجْتِهَادٍ فَلَا يَنْتَقِضُ بِاجْتِهَادٍ ثَانٍ بِخِلَافِ نَسْخِ الشَّارِعِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ رِوَايَةٍ عُلِمَ الرُّجُوعُ عَنْهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ حَالٌ لَا يَجِبُ فِيهَا اسْتِعْمَالُهُ كَمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ صَحَّ بِالْبَدَلِ فَلَا يَبْطُلُ بِوُجُودِ الْمُبْدَلِ عَنْهُ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ بِشُهُودِ الْفَرْعِ لَا يَبْطُلُ بِوُجُودِ شُهُودِ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّهُ وَجَدَ الْمُبْدَلَ مِنْهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ، فَلَمْ يَجِبِ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْأَصْلَ الْهَدْيَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ، أَوِ الرَّقَبَةَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْوُضُوءِ إِلَّا بِإِبْطَالِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا إِلَّا بِاسْتِيقَانِ الْحَدَثِ. فَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا لِنَجَاسَةٍ أَصَابَتْهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ؛ قَوْلًا وَاحِدًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا مَا يَكْفِيهِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَعَادَ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ بِطَلَبِ الْمَاءِ، وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ لَمْ تَبْطُلِ الصَّلَاةُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ، وَإِنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْقَاضِي، فَعَلَى هَذَا إِنْ قُلْنَا: لَا يَتَيَمَّمُ فِي الْحَضَرِ أَوْ يُعِيدُ، بَطَلَتْ هُنَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ بَشَرَتَكَ» " وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ " «وَجُعِلَتْ لَنَا تُرْبَتُهَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute