للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِذَا وَجَدَ فَاكِهَةً مُبَاحَةً، وَقِيلَ: لَا حَظَّ فِيهِ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَجِدُهُ الْأَحْيَاءُ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ تَغْسِيلَ الْمَيِّتِ أَوْجَبُ عَلَى الْأَحْيَاءِ، فَإِذَا وَجَدُوهُ كَانَ صَرْفُهُ إِلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ لِلْمَيِّتِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُمْ يَسْتَفِيدُونَ بِذَلِكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَادَرَ الْمَجْرُوحُ فَتَطَهَّرَ بِهِ أَسَاءَ، وَصَحَّتْ طَهَارَتُهُ، بِخِلَافِ الْمَاءِ الْمَغْصُوبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ أَحَدٌ، هَكَذَا ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحَمَلُوا مُطْلَقَ كَلَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي قَوْمٍ فِي سَفَرٍ وَمَعَهُمْ مِنَ الْمَاءِ مَا يَشْرَبُونَ وَمَعَهُمْ مَا يُغْتَسَلُ " بِهِ " وَقَدْ أَصَابَتْ رَجُلًا مِنْهُمْ جَنَابَةٌ وَمَعَهُمْ مَيِّتٌ: " أَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ يُغْسَلَ الْمَيِّتُ وَيَتَيَمَّمَ الْجُنُبُ " فَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُشْتَرِكُونَ فِي الْمَاءِ، وَقَدْ يُقَدَّمُ الْمَيِّتُ وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْمَاءِ أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ، وَقَدْ قَدَّمَهُ بِنَصِيبِ الْأَحْيَاءِ حَتَّى بِنَصِيبِ الْجُنُبِ وَهُوَ فِي نَفْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدَّمَ الْجُنُبَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَهَذَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَاءُ مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ لَا يَكْفِيهِ لِطُهُورِهِ، وَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ شَيْئًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَيَمُّمِهِ، فَكَانَ تَخْصِيصُ وَاحِدٍ بِالْمَاءِ وَآخَرَ بِالتَّيَمُّمِ أَوْلَى مِنْ تَيَمُّمِ كُلِّ وَاحِدٍ وَتَشْقِيصِ طَهَارَتِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ حَكَمَ فِيمَا إِذَا أُعْتِقَ شِقْصٌ مِنْ عَبِيدٍ أَنْ يَجْمَعَ الْحُرِّيَّةَ كُلَّهَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ وَالرِّقَّ فِي آخَرَ، لِمَصْلَحَةِ تَخْلِيصِ الْحُرِّيَّةِ وَالْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِسْقَاطُ حَقِّ الْمُشْتَرَكِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ، وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ مَعَهُ مَاءٌ بِأَرْضِ فَلَاةٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَمَعَهُ مَيِّتٌ، إِنْ هُوَ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ بَقِيَ الْمَيِّتُ، وَإِنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ بَقِيَ هُوَ، قَالَ: " مَا أَدْرِي، مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا شَيْئًا " وَتَوَقُّفُهُ هُنَا يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ هُنَاكَ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمَاءِ، وَوَجْهُهُ هَذَا أَنَّ تَغْسِيلَ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ عَلَى الْحَيِّ مِنَ الْمَاءِ، الَّذِي يَمْلِكُهُ كَمَا يَجِبُ اغْتِسَالُهُ، بِخِلَافِ الْحَيِّينَ، وَهَذَا أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.

<<  <   >  >>