اغْتَسَلَتْ بِالْمَاءِ، وَهَكَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ " أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ " وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقْرَؤُونَ " حَتَّى يَطَّهَّرْنَ " بِالتَّشْدِيدِ، وَكُلُّهُمْ يَقْرَؤُونَ الْحَرْفَ الثَّانِي " {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] " وَالتَّطَهُّرُ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَكَلَّفُهُ وَيَرُومُ تَحْصِيلَهُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الِاغْتِسَالِ، فَأَمَّا انْقِطَاعُ الدَّمِ فَلَا صُنْعَ لَهَا فِيهِ وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] فُهِمَ مِنْهُ الِاغْتِسَالُ، فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى قِرَاءَةِ الْأَكْثَرِينَ يَنْتَهِي النَّهْيُ عَنِ الْقِرَاءَتَيْنِ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ هُنَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا لِأَنَّهَا بِحَرْفِ (حَتَّى) فَإِذَا تَمَّ انْقِطَاعُ الدَّمِ فَقَدِ انْتَهَتِ الْغَايَةُ، قُلْنَا: قَبْلَ الِانْقِطَاعِ النَّهْيُ عَنِ الْقُرْبَانِ الْمُطْلَقِ، فَلَا يُبَاحُ بِحَالٍ، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ زَالَ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ الْمُطْلَقُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ حِينَئِذٍ مُبَاحَةً إِنِ اغْتَسَلَتْ، حَرَامًا إِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ، وَيُبَيِّنُ هَذَا الشَّرْطَ قَوْلُهُ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْأَكْثَرِ أَكْثَرُ فَائِدَةً وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] وَأَيْضًا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَنَّ الْمُطَلِّقَ أَحَقُّ بِزَوْجَتِهِ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَإِذَا كَانَ حَدَثُ الْحَيْضُ مُوجِبَ بَقَاءِ الْعِدَّةِ فَلَأَنْ يَقْتَضِيَ بَقَاءَ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ أَوْلَى وَأَحْرَى، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَتْ، فَإِنْ وَجَدَتِ الْمَاءَ عَادَ التَّحْرِيمُ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute