رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُنَّ كُنْ يُؤْمَرْنَ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ بِالِاغْتِسَالِ عَقِبَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلَوْ فَعَلْنَ ذَلِكَ لَنُقِلَ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهَا تَجْلِسُ غَالِبَ عَادَاتِ النِّسَاءِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا؛ كَمَا تَجْلِسُهُ الْمُسْتَحَاضَةُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ الْمَوْجُودَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يَظْهَرُ أَنَّهُ حَيْضٌ؛ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَاحْتَطْنَا لَهُ.
وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهَا تَقْصِدُ عَادَةَ نِسَائِهَا، مِثْلَ أُمِّهَا وَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ هُوَ مِنْ بَابِ الطَّبَائِعِ وَالْجِبِلَّاتِ، وَبَنُو الْأَبِ الْوَاحِدِ وَالْأُمِّ الْوَاحِدَةِ أَقْرَبُ إِلَى الِاشْتِرَاكِ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ عِنْدِي رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ: أَنَّهَا تَجْلِسُ أَقَلَّ الْحَيْضِ، وَإِنَّمَا الرِّوَايَاتُ فِي الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَطَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَثْبَتَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ، وَحَكَوْا عَنْهُ أَلْفَاظًا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا كَانَ قَدْ جُعِلَ مَا زَادَ عَلَى الْأَقَلِّ حَيْضٌ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ مَعَ انْفِصَالِهِ بِدَمٍ فَاسِدٍ لِكَوْنِهِ صَالِحًا لَهُ، فَالصَّالِحُ الَّذِي لَمْ يَتَّصِلْ بِدَمٍ فَاسِدٍ أَوْلَى، وَهَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةُ لَا تَجِيءُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا مَتَى اسْتُحِيضَتْ فَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ تَرْتَقِبُهُ تُمَيِّزَ فِيهِ دَمَ الْحَيْضِ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى جَعْلِ الزَّائِدِ مَشْكُوكًا فِيهِ أَبَدًا؛ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الْحَرَجِ الْعَظِيمِ، وَلَيْسَ الِاحْتِيَاطُ بِأَنْ تُصَلِّيَ وَتَصُومَ أَوْلَى مِنَ الِاحْتِيَاطِ بِأَنْ لَا تُصَلِّيَ وَتَقْضِيَ الصَّوْمَ، وَقَدْ تَبَيَّنَّا أَنَّ بَعْضَ هَذَا الدَّمِ حَيْضٌ، وَبَعْضَهُ اسْتِحَاضَةٌ، فَلِهَذَا عَدَلْنَا إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ دَمِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَإِنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا أَوِ اسْتِحَاضَةً، فَأَمْكَنَ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ؛ لِانْكِشَافِ الْأَمْرِ فِيمَا بَعْدُ، وَهَذَا وَجْهُ الْمَشْهُورِ، وَلِأَنَّ هَذَا الدَّمَ لَا تُبْنَى عَلَيْهِ الِاسْتِحَاضَةُ عَلَى أَصْلِنَا، فَلَمْ يَكُنْ حَيْضًا كَسَائِرِ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَةِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَهُ عَادَةٌ، وَلَا نَتَيَقَّنُ أَنَّ بَعْدَهُ عَادَةً، وَالْحَيْضُ الصَّحِيحُ حَاصِلٌ بِدُونِهِ، وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ، فَلِمَ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ الْمُتَيَقَّنَةَ بِشَيْءٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ؛ بِخِلَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute