للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدَّمَ وَأَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ " فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ».

لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْجَمْعُ بَيْنَ نَوَافِلَ وَفَرْضٍ، وَلَوْ أَرَادَ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِفِعْلِ كُلِّ صَلَاةٍ مُطْلَقًا لَمَا جَازَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ الرَّاتِبَةَ هِيَ الْمَشْهُورَةُ، فَأَمَّا الْفَوَائِتُ وَالْمَجْمُوعَةُ فَنَادِرَةٌ، فَإِذَا قِيلَ " تَوَضَّأَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ " انْصَرَفَ الْإِطْلَاقُ إِلَى الْمَعْهُودِ، وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ أَنَسٌ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» " - لَمْ يُفْهِمْ إِلَّا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي مَوَاقِيتِهَا، وَلَا يَجُوزُ طَهَارَتُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ فِي وَقْتِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا كَالتَّيَمُّمِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحَدَثِ هُنَا خَارِجٌ عِنْدَ التَّطَهُّرِ وَبَعْدَهُ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّ الْقَائِمَ هُنَاكَ الْحَدَثٌ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ مُقَيَّدٌ بِالضَّرُورَةِ، فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ.

وَلِأَنَّ الْحَدَثَ الْخَارِجَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَيُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ إِلَّا مَا عُفِيَ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهَا كَمَا تَنْتَقِضُ بِدُخُولِهِ لَوْ تَوَضَّأَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا تَبْطُلُ بِدُخُولِهِ، فَإِذَا تَوَضَّأَتْ لِلْفَجْرِ لَمْ يَبْطُلْ وُضُوؤُهَا إِلَّا بِزَوَالِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَتَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي بَقَاءَ طَهَارَتِهَا مِنَ الْوَقْتِ إِلَى الْوَقْتِ، وَلِأَنَّ كُلَّمَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ فَهِيَ مَأْمُورَةٌ بِالْوُضُوءِ لَهَا، فَوَجَبَ عَلَيْهَا، وَجَازَ أَنْ تُصَلِّيَ بِمَا شَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعًا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا تَفْعَلُهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ، فَإِذَا تَوَضَّأَتْ فَإِنَّهَا تَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ الْمُتَقَدِّمِ أَوِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنَ الْحَدَثِ الْمُتَأَخِّرِ، فَإِنْ نَوَتْ رَفْعَ الْحَدَثِ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحَدَثِ دَائِمٌ فَلَا يَرْتَفِعُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: هَذِهِ الطَّهَارَةُ

<<  <   >  >>