وَلِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ دَائِمٌ، فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحَاضَةَ، وَيَنْقُضُ طَهَارَتَهُمْ مَا يَنْقُضُ طَهَارَةَ غَيْرِهِمْ سِوَى الْحَدَثِ الدَّائِمِ مِثْلَ أَنْ يَبُولَ أَحَدُهُمْ أَوْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْحَدَثِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ، فَأَمَّا الْحَدَثُ الدَّائِمُ فَإِنْ كَانَ مُتَوَاصِلًا أَوْ يُقْطَعُ تَارَاتٍ لَا يَتَّسِعُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ - لَمْ تَبْطُلِ الطَّهَارَةُ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَبْطَلَ الطَّهَارَةَ مُطْلَقًا لَمَا أَمْكَنَتِ الصَّلَاةُ مَعَهُ، وَإِنِ انْقَطَعَ قَدْرًا يَتَّسِعُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ فَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ بُرْءٍ بِأَنْ لَا يَعُودَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا الِانْقِطَاعِ بُطْلَانُ طَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الْخَارِجَ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ كَانَ مُبْطِلًا لِلطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ، فَمَتَى زَالَتِ الضَّرُورَةُ ظَهَرَ أَثَرُهُ، وَكَذَلِكَ الْحَدَثُ الْقَائِمُ بِبَدَنِ الْمُتَيَمِّمِ، فَإِنِ انْقَطَعَ وَلَمْ تَعْلَمْ هَلْ هُوَ عَنْ بُرْءٍ أَوْ غَيْرِ بُرْءٍ - لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهُ بُرْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبُرْءِ، وَبَقِيَ بِلَا سَبَبِ الِاسْتِحَاضَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ عَنْ بُرْءٍ حَكَمْنَا بِبُطْلَانِ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّتْهَا بَعْدَ هَذَا الِانْقِطَاعِ، إِذَا كَانَ قَدْ وُجِدَ قَبْلَهُ حَدَثٌ بَعْدَ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا صَلَّتْ بَعْدَ انْتِقَاضِ وُضُوئِهَا انْتِقَاضًا يُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَأَقْصَى مَا فِيهَا أَنَّهَا جَاهِلَةٌ بِالْحَدَثِ، وَلَا فَرْقَ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْعَالِمِ بِالْحَدَثِ وَالْجَاهِلِ بِهِ، نَعَمْ إِنْ كَانَ صَاحِبُ هَذَا الْحَدَثِ إِمَامًا فَهُوَ كَمَنْ أَمَّ قَوْمًا نَاسِيًا لِحَدَثِهِ أَوْ جَاهِلًا بِهِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الِانْقِطَاعُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ الَّذَيْنِ يُذْكَرَانِ فِيمَا بَعْدُ.
الثَّانِي: أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ، بَلْ يَنْقَطِعُ وَيَعُودُ، فَإِنْ كَانَ زَمَنُ هَذَا الِانْقِطَاعِ مَعْلُومًا، وَقَدْ صَارَ عَادَةً لَزِمَهَا أَنْ تَتَحَرَّى وَتَتَطَهَّرَ وَتُصَلِّيَ فِيهِ، وَمَتَى انْقَطَعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا؛ لِأَنَّهَا أَمْكَنَهَا الصَّلَاةُ بِطَهَارَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، فَأَمَّا إِنْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ لِمَنْ عَادَتُهُ اتِّصَالُ الْحَدَثِ، فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُمَا الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ زَالَتْ بِهِ، فَيَظْهَرُ حُكْمُ الْحَدَثِ كَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا رَأَى الْمَاءَ، سَوَاءٌ وَجَدَ هَذَا الِانْقِطَاعَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ حَدَثًا خَارِجَ الصَّلَاةِ كَانَ حَدَثًا فِيهَا، وَقَدْ خَرَّجَهَا ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ عَلَى رِوَايَتَيِ الْمُتَيَمِّمِ إِذَا رَأَى الْمَاءَ، وَأَبَى غَيْرُهُ التَّخْرِيجَ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ هُنَا قَدْ وُجِدَ بَعْدَ الطَّهَارَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ عَنْهُ بَدَلٌ يُبْنَى عَلَى حُكْمِهِ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَى شَرْطِ الْعِبَادَةِ فِيهَا، فَأَشْبَهَ الْعَارِيَ إِذَا وَجَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute