هَذَا الْكَلَامِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ انْقِطَاعَ الْحَدَثِ لَا يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ، فَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى الِانْقِطَاعِ الْقَلِيلِ الْمُعْتَادِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُمْ أَهْلُ الْوَجْهِ الثَّانِي، لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا أَثَرَ لِهَذَا الِانْقِطَاعِ الْعَارِضِ أَوِ الْمُخْتَلِفِ الْمُعْتَادِ، وَأَنَّ طَهَارَتَهَا صَحِيحَةٌ مَا لَمْ يَنْقَطِعِ انْقِطَاعَ بُرْءٍ أَوْ يَخْرُجِ الْوَقْتُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الِانْقِطَاعِ مَعْلُومًا وَاسِعًا كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ صَاحِبِ الْكِتَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَمَّا الِانْقِطَاعُ لِلْعَارِضِ فَإِنَّهَا تَفْعَلُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْمُتَكَرِّرُ وَالْمُخْتَلِفُ فَإِنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي الْجُمْلَةِ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ وَأَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ لَوِ اخْتَلَفَ بِهَذَا الِانْقِطَاعِ وُجُودًا وَعَدَمًا لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْتَحَاضَاتِ، فَإِنَّهُ يَعْرِضُ كَثِيرًا لَهُنَّ، ثُمَّ تَكْلِيفُهَا كُلَّمَا انْقَطَعَ الدَّمُ لَحْظَةً أَنْ تَنْظُرَ هَلْ يَعُودُ بَعْدَ مُدَّةٍ مُتَّسِعَةٍ أَوْ ضَيِّقَةٍ، فِيهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، ثُمَّ فِيهِ تَقْدِيرُ الطَّهَارَةِ بِالْفِعْلِ الَّذِي لَا يَنْضَبِطُ، وَإِنَّ قَوْلَهُمْ: " قَدْرَ مَا يَسَعُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ " يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ بُعْدِ الْمَاءِ مِنَ الْمُتَوَضِّئِ وَقُرْبِهِ وَسُرْعَتِهِ وَبِطَائِهِ وَنَشَاطِهِ وَكَسَلِهِ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ، ثُمَّ بِمَاذَا يُقَدِّرُونَ هَذَا الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ؟ بِأَقَلِّ مَا يُجْزِئُ مِنَ الْمُتَوَضِّئِ مَرَّةً مَرَّةً، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَتَسْبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَمْ بِالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ الْكَامِلَتَيْنِ؟ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَنَحْنُ نُجَوِّزُ لَهَا مَعَ قِيَامِ الدَّمِ أَنْ تُصَلِّيَ صَلَاةً كَامِلَةً، فَلَأَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ إِذَا انْقَطَعَ وَخَشِيَتْ عَوْدَهُ، بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَكَذَلِكَ الثَّانِي، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا تَطْوِيلُ الْأُولَى، ثُمَّ لَوْ كَانَ إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ بِهِ وَلَمْ يَتَّسِعِ الْوَقْتُ لِلْقَدْرِ الْمُجْزِئِ لَمَا جَاءَ تَكْمِيلُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، كَمَنْ خَشِيَ أَنَّهُ إِنْ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا وَصَلَّى صَلَاةً كَامِلَةً خَرَجَ الْوَقْتُ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَهَا، ثُمَّ إِنَّهَا لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute