ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ، تَحِيضُ غَالِبَ حَيْضِ النِّسَاءِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَحِيضُ أَقَلَّ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالِاسْتِحَاضَةَ، وَالصَّلَاةُ ثَابِتَةٌ فِي ذِمَّتِهَا بِيَقِينٍ، فَلَا تَتْرُكُهَا بِالشَّكِّ، لَا سِيَّمَا وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّا نَحْتَاطُ بِذَلِكَ قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ، بَقِيَ حَالُ الِاسْتِحَاضَةِ أَوْلَى.
وَعَنْهُ فِي الْمُبْتَدَأَةِ: أَنَّهَا تَحِيضُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخَارِجِ أَنْ يَكُونَ دَمَ حَيْضٍ، فَتَعْمَلُ بِذَلِكَ مَا لَمْ تَتَيَقَّنْ كَوْنَهُ اسْتِحَاضَةً، وَلَا تَتَيَقَّنُ ذَلِكَ إِلَّا بِمُجَاوَزَةِ الْأَكْثَرِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَحِيضُ مِثْلَ حَيْضِ نِسَائِهَا مِنْ أُمِّهَا وَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاكَ الْأَقَارِبِ فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ وَالْقُوَى الطَّبِيعِيَّةِ أَقْرَبُ، ثُمَّ خَرَّجَ الْقَاضِي فِي النَّاسِيَةِ مِثْلَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ، لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ، وَامْتَنَعَ غَيْرُهُ مِنَ التَّخْرِيجِ؛ تَفْرِيقًا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ حَيْضَهَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ، أَوْ مَا زَادَ عَلَى غَالِبِ عَادَاتِ النِّسَاءِ يُفْضِي إِلَى الْمَشَقَّةِ عَلَيْهَا إِذَا انْكَشَفَ الْأَمْرُ وَذَكَرَتِ الْعَادَةَ؛ لِأَنَّهَا تَقْضِي حِينَئِذٍ مَا تَرَكَتْهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ بِخِلَافِ الْمُبْتَدَأَةِ فَإِنَّهُ لَا يُرْجَى انْكِشَافُ حَيْضِهَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِمَا رَوَتْ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ «أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي اسْتُحِضْتُ حَيْضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَرَى فِيهَا، قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ؟ فَقَالَ: " أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ "، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: " فَاتَّخِذِي ثَوْبًا "، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: " فَتَلَجَّمِي "، قَالَتْ: إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا، فَقَالَ: " سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيُّهُمَا فَعَلْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الْآخَرِ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ "، فَقَالَ لَهَا: " إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ ثُمَّ اغْتَسِلِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْزِيكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ، مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ، فَتَغْتَسِلِينَ ثُمَّ تُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ وَتُصَلِّينَ، فَكَذَلِكَ فَافْعَلِي وَصَلِّي وَصُومِي إِنْ قَدَرْتِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَذَا أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute