[ذكر الدليل العقلي على وجود الواجب، وبيان ما بين الواجب والممكن من قدر مشترك]
وذلك أنه قد عُلم بضرورة العقل أنه لا بُدَّ من موجود، قديم، غني عمَّا سواه؛ إذ نحن نشاهد حدوث المحدثات؛ ك «الحيوان»، و «المعدن»، و «النباتِ»، والحادثُ ممكن ليس بواجب ولا ممتنع، وقد عُلم بالاضطرار أن المحدَثَ لا بُدَّ له مِنْ محدِثٍ، والممكنَ لا بدَّ له من واجبٍ، كما قال تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون (٣٥)﴾ [الطور]، فإذا لم يكونوا خُلقوا من غير خالق، ولا هم الخالقون لأنفسهم؛ تعين أن لهم خالقاً خلقهم.
وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه، وما هو محدَث ممكن، يقبل الوجود والعدم؛ فمعلوم أن هذا موجود، وهذا موجود، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى «الوجود» أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا؛ بل وجود هذا يخصُّه ووجود هذا يخصُّه، واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند «الإضافة»، و «التقييد»، و «التخصيص»، ولا في غيره.
فلا يقول عاقلٌ إذا قيل:«إن العرش شيء موجود»، و «إن البعوض شيء موجود» إن هذا مثل هذا؛ لاتفاقهما في مسمى «الشيء»، و «الوجود»؛ لأنه ليس في الخارج شيء موجود غيرهما