أحدها؛ وهو: الفناء الديني الشرعي، الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب؛ هو: أن يفنى عمَّا لم يأمر الله به بفعل ما أمر الله به، فيفنى عن عبادة غيره بعبادته، وعن طاعة غيره بطاعته وطاعة رسوله، وعن التوكل على غيره بالتوكل عليه، وعن محبة ما سواه بمحبته ومحبة رسوله، وعن خوف غيره بخوفه.
بحيث لا يتبع العبد هواه بغير هدى من الله، وبحيث يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة: ٢٤]، فهذا كله؛ هو ممَّا أمر الله به ورسوله.
وأما الفناء الثاني: - وهو الذي يذكره بعض الصوفية -؛ وهو: أن يفنى عن شهود ما سِوى الله تعالى، فيفنى بمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره، وبمعروفه عن معرفته، بحيث قد يغيب عن شعوره بنفسه وبما سوى الله؛ فهذا حال ناقص، قد يعرض لبعض