وهكذا القول في المثل الثاني؛ وهو: الروح التي فينا، فإنها قد وصفت بصفات ثبوتية وسلبية، وقد أخبرت النصوصُ أنها تَعرج وتصعد من سماء إلى سماء، وأنها تُقبض من البدن، وتُسَلُّ منه كما تسل الشعرة من العجين.
والناس مضطربون فيها:
فمنهم طوائف من أهل الكلام يجعلونها جزءاً من البدن، أو صفة من صفاته، كقول بعضهم:«إنها النَفَس أو الريح التي تتردد في البدن»، وقول بعضهم:«إنها الحياة، أو المزاج، أو نفس البدن».
ومنهم طوائف من أهل الفلسفة يصفونها بما يصفون به واجب الوجود عندهم، وهي أمور لا يتصف بها إلا ممتنع الوجود، فيقولون:«لا هي داخل البدن ولا خارجه، ولا مباينة له ولا مداخلة له، ولا متحركة ولا ساكنة، ولا تصعد ولا تهبط، ولا هي جسم ولا عَرَض»!.
وقد يقولون:«إنها لا تُدرِك الأمورَ المعينةَ، والحقائقَ الموجودةَ في الخارج، وإنما تُدرِك الأمور الكلية المطلقة»!.
وقد يقولون:«إنها لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباينة له ولا مداخلة»!.