وكذلك تناقضهم في الإثبات، فإنَّ مَنْ تأوَّل النصوص على معنى مِنَ المعاني التي يثبتها، فإنهم إذا صرفوا النصَّ عن المعنى الذي هو مقتضاه إلى معنى آخر؛ لزمهم في المعنى المصروف إليه ما كان يلزمهم في المعنى المصروف عنه.
فإذا قال قائل:«تأويل محبته، ورضاه، وغضبه، وسخطه؛ هو: إرادته للثواب، والعقاب»؛ كان ما يلزمه في الإرادة؛ نظير ما يلزمه في: الحب، والمقت، والرضا، والسخط.
ولو فَسَّر ذلك بمفعولاته - وهو: ما يخلقه من الثواب، والعقاب -؛ فإنه يلزمه في ذلك نظير ما فرَّ منه، فإن الفعل المعقول؛ لا بُدَّ أن يقوم أولاً بالفاعلِ، والثوابُ والعقاب المفعول إنما يكون على فعلِ ما يحبُّه ويرضاه، ويسخطه ويبغضه؛ المثيبُ المعاقبُ.
فهم إن أثبتوا الفعل على مثل الوجه المعقول في الشاهد للعبد؛ مثَّلوا، وإن أثبتوه على خلاف ذلك؛ فكذلك سائر الصفات.
التناقض في الإثبات متلازم مع التناقض في النفي، ففي كلا الحالتين يثبت نظير ما ينفي، وينفي نظير ما يثبت.
فهذا المتأول الذي ينفي:«المعنى الظاهر»، الذي هو الاحتمال الراجح، ويثبت المعنى المرجوح؛ متناقض.