بعد أن عرضَ الشيخُ أقوالَ الناس في الروح واضطرابهم فيها، وذكر سبب اضطرابهم، وحُكْمَ إطلاق اسم «الجسم» على الروح نفياً أو إثباتاً، بعد هذا الاستطراد الذي لا بد منه: يَصل إلى المقصود الذي به إيضاح وجه الاستشهاد بالمثل الثاني؛ الذي هو: الروح.
وبيان ذلك: أن الروح الموصوفة بأنها موجودة، وحية، وعالمة، وقادرة، وسميعة، وبصيرة، وتصعد وتنزل، وتذهب وتجيء، ونحو ذلك من الصفات، إذا كانتِ العقولُ قاصرةً وعاجزة عن تكييفها وتحديديها، والسبب في ذلك: عدم مشاهدتها، أو مشاهدة نظير لها، والشيء إنما تدرك حقيقته؛ إما بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره.
وإذا كانت تلك الروح الموصوفة بتلك الصفات مباينة لما هو مشاهد من الأجسام المخلوقة، وليست مماثلة لها، والعقولُ عاجزة عن تكييفها وإدراك حقيقتها؛ فالخالق ﷾ أَولى بمباينته لمخلوقاته - مع اتصافه بما يستحقه من أسمائه وصفاته -؛ من مباينة الروح لما سواها من المخلوقات.
(وأهلُ العقول أعجزُ عن أن يحدوه أو يكيفوه منهم عن أن يحدوا الروح أو يكيفوها)، وهذا من باب قياس الأولى.
وهذا المثل يمكن أن يُردَّ به على أهل التكييف، وأهل التعطيل؛ فيرد به على أهل التكييف القائلين بتماثل صفات الخالق والمخلوق؛ لتوافقها في الاسم.