للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا تأملتَ ذلك: وجدتَ كلَّ نفي لا يستلزم ثبوتاً؛ هو ممَّا لم يصف الله به نفسه، فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب لم يثبتوا في الحقيقة إلهاً محموداً؛ بل ولا موجوداً.

وكذلك مَنْ شاركهم في بعض ذلك؛ كالذين قالوا: «إنه لا يتكلم، أو لا يرى، أو ليس فوق العالم، أو لم يستوِ على العرش»، ويقولون: «ليس بداخل العالم ولا خارجه، ولا مباين للعالم ولا محايث له»؛ إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم، وليست هي صفة مستلزمة صفة ثبوت، ولهذا قال محمودُ بن سُبُكْتِكِيْن لمن ادعى ذلك في الخالق: «ميِّز لنا بين هذا الرب الذي تثبته، وبين المعدوم؟».

الذين لا يصفون الله تعالى إلا بالسُّلوب، أي: بالصفات السلبية؛ وهم: الفلاسفة والباطنية؛ لم يثبتوا إلهاً محموداً، أي: يستحق الحمد والثناء؛ لأن السلوب المحضة لا مدح فيها؛ لأنه ليس في السلب المجرد إثباتُ شيءٍ من صفات الكمال؛ بل لم يثبتوا موجوداً؛ لأن سلب جميع الصفات: يستلزم نفي الذات.

<<  <   >  >>