وأمَّا التشابهُ الذي يعمه؛ فهو ضد الاختلاف المنفي عنه في قوله: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)﴾ [النساء]، وهو الاختلاف المذكور في قوله: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِف (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِك (٩)﴾ [الذاريات].
فالتشابه هنا؛ هو: تماثل الكلام وتناسبه، بحيث يصدق بعضه بعضاً، فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر؛ بل يأمر به، أو بنظيره، أو بملزوماته، وإذا نهى عن شيء؛ لم يأمر به في موضع آخر؛ بل ينهى عنه، أو عن نظيره، أو عن لوازمه، إذا لم يكن هناك نسخٌ.
وكذلك إذا أخبر بثبوت شيء لم يخبر بنقيض ذلك؛ بل يخبر بثبوته، أو بثبوت ملزوماته، وإذا أخبر بنفي شيء؛ لم يثبته؛ بل ينفيه، أو ينفي لوازمه، بخلاف القول المختلف الذي ينقض بعضه بعضاً، فيثبت الشيء تارة، وينفيه أخرى، أو يأمر به، وينهى عنه في وقت واحد، أو يفرِّق بين المتماثليْنِ؛ فيمدح أحدهما، ويذم الآخر، فالأقوال المختلفة هنا؛ هي المتضادة، والمتشابهة؛ هي المتوافقة.
وهذا التشابه يكون في المعاني وإن اختلفت الألفاظ، فإذا كانتِ المعاني يوافقُ بعضها بعضاً، ويعضدُ بعضها بعضاً، ويناسبُ بعضها بعضها، ويشهدُ بعضها لبعض، ويقتضي بعضها بعضاً؛ كان الكلام متشابهاً، بخلاف الكلام المتناقض الذي يضادُّ بعضه بعضاً.