بعد أنْ بيَّن الشيخ أنه لا بدَّ مِنْ فارق في نفس الأمر بين ما يثبت لله تعالى، وما ينفى عنه؛ وهو: أن كلَّ ما ثبت لله تعالى؛ فهو كمال، وكلَّ ما نفي عنه؛ فهو نقص، وهذا الأمر معلوم بالعقل الصريح، ذَكَر هنا الدليل السمعي على نفي ما ينفى عن الله تعالى.
وكأن سائلاً سأل: هل ورد الشرع بنفي هذه النقائص؟ والجواب: نعم؛ إلا أن بعضها ورد نفيه باسمه الخاص؛ كقوله تعالى: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، وقوله تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان: ٥٨]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُّغُوب (٣٨)﴾ [ق]، ونظائر ذلك.
ومنها ما ورد نفيه بإثبات ضده، فكل ما ورد السمع بإثباته لله تعالى من صفات الكمال؛ فإنه مستلزم لنفي ضده من صفات النقص، فإثبات أحد الضدين؛ مستلزم لنفي ضده، وما يستلزم ضده.
فكلُّ ما نافى صفات كماله؛ فإنه منفي عنه، فوصفه بالعلم؛ مستلزم لنفي الجهل، ووصفه بالقدرة؛ مستلزم لنفي العجز، ووصفه بالغنى؛ مستلزم لنفي الفقر عنه، ونفي ما يستلزم الافتقار والحاجة إلى ما سواه بوجه من الوجوه، فهو الغني بذاته عن كل ما سواه، وكلُّ ما نافى غناه المطلق؛ فهو منزَّهٌ عنه ﷾.
ومعلومٌ أنه تعالى موجودٌ، واجبُ الوجود بنفسه، أزليٌ، فكلُّ ما نافى كمال وجوده ووجوبه؛ فإنه منزَّهٌ عنه، فوجوبُ وجوده؛ مستلزمٌ نفي العدم، والحدوث، وامتناع ذلك عليه، وهكذا ما نافى قدرته،