للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الخامس: أن يقال: أنتم جعلتم تقابل العَدم والمَلَكة فيما يمكن اتصافه بثبوت، فإن عنيتم بالإمكان الإمكان الخارجي؛ وهو: أن يعلم ثبوت ذلك في الخارج؛ كان هذا باطلاً من وجهين:

أحدهما: أنه يلزمكم أن تكون الجامدات لا توصف بأنها لا حيَّة ولا ميتة، ولا ناطقة ولا صامتة - وهو قولكم -؛ لكن هذا اصطلاح محض، وإلا فالعرب يصفون هذه الجمادات بالموت والصمت (١).

وقد جاء القرآن بذلك، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُون (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُون (٢١)[النحل]، فهذا في الأصنام؛ وهي من الجمادات؛ وقد وصفت بالموت.

والعرب تقسم الأرض إلى الحيوان والموَتَان، قال أهل اللغة: «الموَتَان - بالتحريك -: خلاف الحيوان، يقال: اشْتَرِ الموَتَان ولا تَشْتَرِ الحيوان، أي: اشْتَرِ الأرضين والدُّور، ولا تشتر الرقيق والدواب». وقالوا - أيضاً -: «المَوَات: ما لا روح فيه» (٢).

فإن قيل: فهذا إنما سمي مواتاً باعتبار قبوله للحياة، التي هي: إحياء الأرض.

قيل: وهذا يقتضي أن الحياة أعمُّ من حياة الحيوان، وأن الجماد يوصف بالحياة إذا كان قابلاً للزرع والعمارة.


(١) تقدم نحوه في ص ١٩٣.
(٢) النقلان من «الصحاح» ١/ ٢٦٧.

<<  <   >  >>