للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد علم مما تقدم: أن غاية ما يقرره أهل الكلام؛ ومنهم: المثبتون للقدر المنتسبون للسنة - وهم الأشاعرة -، غاية ما يقررونه من التوحيد: توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون، وكذلك طوائف من أهل التصوف المنتسبين إلى المعرفة والتحقيق والتوحيد؛ فإن غاية ما عندهم من تحقيق التوحيد، إنما هو توحيد الربوبية؛ وهو: أن يشهد أن الله ربُّ كلِّ شيء ومليكُه وخالقُه، ومِن المعلوم أن الرجل لا يصير بمجرد هذا التوحيد مسلماً، فضلاً عن أن يكون ولياً لله، أو من سادات الأولياء.

فالغايةُ عند هؤلاء الصوفية؛ الفناءُ في توحيد الربوبية، فيفنى العارف ويغيب بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده، وبمعروفه عن معرفته، وبمعبوده عن عبادته، بحيث يفنى من لم يكن - وهو: المخلوق -، ويبقى من لم يزل - وهو: الخالق -، وليس المراد بالفناء عندهم: فناء حقيقةِ وجودِ المخلوقات عن الوجود، وإنما المراد: الفناء عن الشعور بها.

«فيفنى العارف بمشهوده» أي: بربه، والضمير هنا يرجع للعبد «عن شهوده»، أي: عن مشاهدته له، والضمير هنا في المصدر «شهود» يصلح أن يرجع للرب، ويصلح أن يرجع للعبد، وهو أحسن (١).

فيغيب بمشهوده، ومذكوره، ومعروفه، وموجوده، أي: بربه عن كل شيء، حتى عن نفسه ومعرفته، وذكره لربه وعبادته، فلا يشعر بشيء من ذلك (٢).


(١) انظر نحوه في ص ٦٩٩.
(٢) سيتكلم المؤلف عن هذا الموضوع بالتفصيل في ص ٦٨٨، وما بعدها.

<<  <   >  >>