ومِن هذا الباب أن النبي ﷺ كان يقول في خطبته:«مَنْ يطع الله ورسوله؛ فقد رشد، ومن يعصهما؛ فإنه لا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئاً»(١)، وقال:«لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء محمد»، ففي الطاعة قَرَن اسم الرسول باسمه بحرف «الواو»، وفي المشيئة أمر أن يجعل ذلك بحرف «ثم»، وذلك لأن طاعة الرسول طاعة لله، فمَن يطعِ الرسول؛ فقد أطاع الله، وطاعة الله طاعة للرسول.
بخلاف المشيئة، فليست مشيئةُ أحدٍ من العباد مشيئةً لله، ولا مشيئةُ الله مستلزمة لمشيئة العباد؛ بل ما شاء الله كان وإن لم يشأ الناس، وما شاء الناس لم يكن إلا أن يشاء الله.
يبيِّن الشيخ هنا الفرق بين ما يختص الرب به، وما هو مشترك؛ فهو من حق الله تعالى، وحق الرسول ﷺ، وهذا يتبيَّن في الطاعة، فطاعة الله تعالى وطاعة رسوله متلازمتان، فطاعة الله طاعة للرسول، وطاعة الرسول طاعة لله، كما قال تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ [النساء: ٨٠]، ولهذا فإن الأنبياء يأمرون بطاعتهم، كما في قوله تعالى عن نوح، وهود، وغيرهما: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُون﴾ [الشعراء: ١٠٨ و ١٢٦ و ١٤٤ و ١٦٣]
وليس أحد من الخلق يطاع طاعة مطلقة إلا الرسول، أما غيره ممَّن يؤمر بطاعتهم؛
(١) رواه أبو داود (١٠٩٧) والطبراني في «الكبير» ١٠/ ٢١١، وقال النووي في «شرح مسلم» ٦/ ٣٩٧: «إسناده صحيح»، وقال ابن الملقن في «التوضيح» ٢/ ٥٣٠: «إسناده جيد»، وقال ابن حجر في «موافقة الخُبْر الخَبَر» ١/ ٣٥: «لا يصح؛ لأنه من رواية أبي عياض، وهو مجهول لا يعرف اسمه ولا حاله». وانظر: «خطبة الحاجة» ص (١٥).