للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحالُ صاحب هذا الفناء حالٌ ناقصة لا يمدح بها، فهي من العوارض التي تعرض لبعض السالكين، وليست هي من لوازم الطريق إلى الله، وهذا النوع من الفناء معدود عند الصوفية أعلى مقامات الدين (١).

والحقُ أنه ليس من الدين؛ بل غاية صاحبه أن يكون معذوراً إذا وقع له ذلك من غير قصد إليه ولا تحرٍّ له، والرسول ، وهو أكمل الخلق، وأعلمهم بالله؛ لم يحصل له هذا الفناء؛ بل كان يشعر بمَن حوله، وبمن وراءه في الصلاة، حتى كان يسمع بكاء الصبي وهو يصلي؛ فيخفف صلاته لذلك (٢).

الثالث: الفناء عن وجود السِّوى، بحيث يرى أن وجود المخلوق؛ هو عين وجود الخالق، فالوجود عنده واحد بالعين، وحقيقة ذلك: اعتقاد ألَّا موجود إلا الله، وهذا مذهب أهل الإلحاد والاتحاد القائلين بوحدة الوجود، الذين هم أضل العباد.

وهؤلاء الذين يزعمون أن النظر إلى الحقيقة الكونية القدرية يوجب عدم التمييز بين المأمور والمحظور؛ مخالفون للعقل والقياس، كما أنهم مخالفون للشرع.

فإن الواحد منهم لا يمكنه أن يَطْرُدَ قوله؛ لأنه إذا كان مشاهداً للقدر مِنْ غير تمييز بين المأمور والمحظور، ولا بين الظالم والمظلوم؛ فيلزمه


(١) «مجموع الفتاوى» ٢/ ٣١٤، و «طريق الهجرتين» ٢/ ٥٦٧، و «مدارج السالكين» ١/ ١٧٥.
(٢) رواه البخاري (٧٠٩)، ومسلم (٤٧٠) من حديث أنس .

<<  <   >  >>