للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العالم سينتهي بيوم حساب تقوم فيه أعمالهم وعليها يحاسبون.

بدا جليًا لأتباع النبي أن لا بد للوحي الذي كان هو أداة تبليغه أن يكون الأتم لأنه الأخير، وأن لا بد للقرآن من أن يشتمل، هو وتعاليم النبي وسيرته، تصريحًا أو تضمينًا، على كل ما كان ضروريًا للحياة الصالحة. وعلى مرور الزمن، أثبت نص القرآن، وجمعت الأحاديث عما فعله النبي وعما تفوه به (سنة الرسول)، ثم محصت على يد علماء انصرفوا بكليتهم إلى التمييز بين الصحيح منها والمنحول. وعلى مرور الزمن أيضًا، نشأ عن القرآن والحديث نظام شامل للخلقية المثلى، كان بمثابة تصنيف خلقي للأفعال البشرية يوضح السبيل (الشريعة) الذي في إتباعه إرضاء لله وأمل في بلوغ الجنة. لم يكن ذلك عسيرًا في الأفعال التي نزل فيها نص من القرآن صريح أو ورد بها حديث مقبول. أما في غير ذلك، فكان لا بد لذوي العقول والخبرة اللازمة من استنطاق النصوص عنه، وفقًا لقواعد القياس الدقيق، أو لقواعد طريقة أخرى من طرق التعليل (الاجتهاد). وهكذا غدا نتاج هذه العملية مقبولًا على العموم لدى جمهور العلماء (الإجماع)، واكتسبت الأحكام أو الشرائع المجمع عليها سلطة لا تقل إلزامًا عن القرآن والحديث. إلا أن الآراء بقيت متباينة في كيفية إثبات وقوع الإجماع، وفي الأمور التي يضفي عليها الإجماع طابع الشرعية، كما بقيت الآراء متباينة أيضًا، خارج نطاق الإجماع، في طرق استخدام العقل البشري، وفي النتائج التي يفضي إليها استخدامه. وقد انتظمت، مع الزمن، هذه الخلافات في مذاهب اعتبرت جميعها متساوية في الشرعية، يحق للمؤمن إتباع أي منها.

أحدث نظام الخلقية المثلى هذا، على مختلف أشكاله، مجتمعًا جديدًا، كما خلق أيضًا إنسانا جديدًا. إذ كان لكل فعل جوهري من أفعال العبادة طابعه الاجتماعي. فكان المسلمون يصلون معًا في الجامع يوم الجمعة؛ وكان لصيامهم السنوي، في شهر رمضان،

<<  <   >  >>