كان لا بد للسلطان، كي يصون وحدة الجماعات المختلفة في إمبراطورية بهذا الاتساع وهذا التنوع، أن يستخدم سلطته التنظيمية بصورة مستمرة وبكثير من المهارة. فالأصوات لم تنقطع، حتى في أوج المنعة العثمانية على عهد سليمان القانوني، عن تذكير السلطان ووزرائه بأن بنيان الدولة سريع العطب. وبالواقع، لم يدخل القرن السابع عشر حتى أخذت معالم التصدع تظهر بوضوح (١). وقد تنبه لهذا فعلًا بعض كتاب العصر وأدركوا أسبابه.
أما حقيقة العلاقة بين هذه الأسباب، والتمييز الدقيق بين ما كان منها بالفعل سببًا وما كان مجرد عرض من أعراضها، فهي مسائل لا يمكن طبعًا الإجابة عليها. إلا أنه باستطاعتنا، على الأقل، أن نلاحظ سلسلة من الأمور «المتعاقبة» المرتبط الواحد منها بالآخر ارتباطًا محكمًا. كان جهاز الحكم آخذًا بالتفكك. فالسلطان كان محور الدولة، ولم يكن بإمكان الدولة أن تسير سيرًا سليمًا ما لم تكن قيادتها فعالة. والواقع أنه، ابتداءً من القرن السابع عشر، كانت السلسلة الطويلة من السلاطين الأذكياء والأقوياء قد انتهت، وتلاها عهد ضعفاء الخلق والذكاء من السلاطين الذين لم يكونوا قد أعدوا إعدادًا صالحًا للقيام بمهامهم. فكانت النتيجة أن نشأ صراع على النفوذ بين فئات الموظفين وقواد الجيش المتحالفين مع العلماء ومع نساء القصر وعبيده. وفي أواخر القرن السابع عشر، أوقف التيار المنحدر وزراء أسرة كوبرولو، بنقل محور السلطة من السلطان إلى