كبير الوزراء، أو الصدر الأعظم. فأصبحت داره، الباب العالي، مركز القرارات، بدلًا من الغرفة ذات القباب في القصر حيث كان ينعقد مجلس السلطان؛ كما أصبح رئيس كتاب الصدر الأعظم بمثابة وزير الخارجية. لكن مركز الصدر الأعظم نفسه كان ضعيفًا بطبيعته، إذ كان تعيين الصدر الأعظم وإقالته متوقفين على مشيئة السلطان، فضلًا عن افتقاره إلى جهاز فعال يحكم به. فقد كانت الإدارة، في عهد الاضطراب والتشويش، قد أصابها الخلل، وفقد نظام جباية الضرائب فاعليته ونزاهته، وانهار نظام تملك الأراضي «الإقطاعي» القديم، كما أخذ الجيش يفقد انضباطه تدريجًا. كان من الممكن تقويم هذا الاتجاه، لو لم يكن أساس النظام الخلقي قد زال أيضًا. فقد ضعفت العصبية المهنية لدى نخبة العبيد، ولدى العلماء، وانحل الانضباط الصارم والولاء الخالص لدى الإنكشارية، فسمح لأولادهم بأن ينضموا إلى فرقها، كما سمح أيضًا للمسلمين الأحرار المولد بأن يدخلوا الجيش الذي غدا الالتحاق به يشترى ويباع ويورث. وأخذ هؤلاء يتقلدون، أكثر فأكثر، المناصب العليا في خدمة السلطان، فصار منهم الوزراء وحكام الولايات وقواد الجيش. وقد استمرت الخرافة القائلة بأن هؤلاء كانوا عبيد السلطان، مع أنهم كانوا، بالواقع، ينتقون بتزايد من الأتراك بين الرعايا المسلمين إذ كانت اللغة التركية لغة الحكام المشتركة، وكان من لم يكن منهم تركيًا بالعرق تركيًا بالتبني. وعلى هذا النمط أيضًا اشتدت نزعة كبار العلماء إلى أن يصبحوا فئة خاصة وممتازة. فقد كان هؤلاء مرتبطين بعضهم ببعض أصلًا برابطة التربية المشتركة، وكانوا يرسلون أولادهم إلى مدارس إسطنبول الكبرى التي كانت المناصب العليا تملأ من بين متخرجيها. وكانوا حراس الأوقاف ومستغليها، وذوي نفوذ اجتماعي وسياسي، كما كانوا ينعمون بفرص خاصة للحصول على الالتزامات وتملك الأراضي. ولما كانوا، كهيئة دينية، في مأمن نسبيًا من تدابير المصادرة فقد ادخروا ما كسبوه. وأملوا بتوريثه أولادهم من بعدهم.